ابتكروها فكانوا من أجل ذلك شديدي العناية برعاية هذا السر. وأصدر الحكام قوانين تحرم على أي إنسان إخراج الحرير من بلادهم. ولتجار الأجانب أن يشتروا ما يريدون من الخزف والشاسي والأرز ومن المحاريث ومن المعادن المطروقة ومن كل ما تنتجه الصين من صناعة. ولكن ليس لهم من النسيج اللامع الحريري إلا أن ينظروا إليه بأعين طامعة فإن هذا الحرير لم يكن يباع.
وكانت قوانين التجارة لا تكفي لمنع التجار عن تهريب الأقمشة الحريرية من حدود الصين فخرج الحرير من الصين حتى في العهد الذي كانت فيه القوانين صارمة وزاد مقدار المهربات زيادة مطردة في القرن الأخير بازدياد الاتصال بالشعوب الأخرى.
وكان بين الصين وبين إيران طريق منقطع بين الجبال ويقول بعض الناس إنه أقدم طرق العالم، وقد بدأ ضيقاً بحيث لا يتسع إلا لمرور رجل واحد فمن أجل ذلك كانوا يمشون فيه صفاً، وعلى التدريج كانوا ينظفونه من الصخور والأحجار التي تعوق المسير فيه حتى أصبح أعظم طريق للقوافل في الدنيا القديمة، وهو الطريق ما بين الشرق الأدنى والشرق الأقصى، وهو الطريق الذي يسلكه أهل البلاد المجاورة للبحر الأبيض المتوسط للحصول على المصنوعات الجميلة من الصين ومن الهند.
ومن هذا الطريق كان التجار يهربون الحرير من الصين إلى الأغنياء في مصر وفي أشور وفي بابل وفي فينيقيا، ومع كثرة ما كان المهربون يهربونه من كميات الحرير التي تؤخذ سراً. أو تشترى علناً فإن تجار الفرس لم يعرفوا سر دودة القز.
وجاء الاسكندر الأكبر، وكادت فتوحاته تشمل العالم كله، وفي أثناء قيادته جيوشه في مناطق الشرق في القرن الرابع قبل المسيح رأى نبات القطن في الهند فنقله إلى اليونان، ورأى الثياب الحريرية يرتديها نبلاء الصين فأتى بشيء منها إلى بلاده وذهب إلى الأماكن التي يصنع فيها الحرير فلم يكتف بنقل كميات من المنسوج بل نقل كذلك أثقالاً من مادته الخام قبل نسجها، ولكنه مع ذلك لم يستطع أن يعرف من أين تأتي هذه المادة الخام.
هذا هو سر الصين الذي كتمته طول عمرها والذي لم يستطع معرفته حتى قاهر العالم الاسكندر.
وكان الرومانيون في بداية العهد المسيحي يختالون بقصورهم في ثياب حريرية اشتروها