من تجار الفرس، وقد بلغ بهم الأمر أن حلوا النسيج الصيني واستخرجوا خيوط الحرير وأعادوا نسجها على أنوالهم ولكن هذا العمل كان كبير النفقات إلى أقصى حد. وكانت القوانين في الإمبراطورية الرومانية تحرم لبس الحرير على غير النبلاء وقد رفض الإمبراطور أورليان (٧١٢ - ٢٧٥ قبل المسيح) أن يلبس الحرير أو أن يسمح لزوجته بلبسه لأنه غال جداً، وكان يدعوه باسم (الهواء المنسوج) وذلك بالقياس إلى المواد السميكة الأخرى التي كان الرومانيون يصنعون منها ثيابهم وأخيراً أفشت سر الحرير أميرة صينية مخترقة بذلك حرمة القوانين: كانت مخطوبة لملك هندي حوالي سنة ١٢٠ قبل المسيح، وهذا الملك هو خوتان. وكان يعلم أن أميرات الصين اعتدن لبس الثياب الحريرية دون غيرها فبعث إليها بأن الهند وإن كانت قد اشتهرت بقطنها فإنها لا تستطيع أن تزودها بشيء من الحرير فخاطرت مخاطرة جسيمة عند سفرها إلى منزل زوجها فخبأت في زينة شعرها بذور شجر التوت وبيض دود القز وغادرت الحدود دون أن يشتبه في ارتكابها للجريمة التي عقوبتها الإعدام.
ولما وصلت إلى البلاد التي اختارتها وطناً ثانياً بدأت زراعة التوت وتربية دود القز.
ولكن سفراء الصين لدى بلاط زوجها رأوا ما فعلته ولم يكن في وسعهم أن يعاقبوها لأنها أصبحت ملكة على بلاد أخرى وكانوا لا يزالون يريدون الاحتفاظ بالسر، فأخبروا زوجها الملك بأنها تربي الثعابين السامة فأمر الملك بإحراق المكان الذي يربى فيه دود القز معتقداً أنه ثعابين.
لكن السر تسرب إلى الهند في بداية العهد المسيحي؛ ففي سنة ٢٨٩ بعد المسيح ذهب أربع فتيات صينيات إلى اليابان لتعليم اليابانيين تربية الدود. لكن إلى سنة ٥٠٠ بعد المسيح كان صنع الحرير لا يزال مجهولاً في القسطنطينية وهي إذ ذاك عاصمة العالم الغربي، وكان الإمبراطور جوستنيان الذي يتولى شؤون الإمبراطورية في القسطنطينية رجلاً ذا مشاريع كبيرة حاذقاً في تغذية التجارة، وكان كالاسكندر الكبير دائم البحث عن شيء جديد مما يصنع في البلاد الأخرى. وعاد اثنان من الرهبان الفارسيين ومن أصحاب العهد النسطوري المسيحي إلى القسطنطينية بعد أن عاشا في الصين سنوات كثيرة. وعلما لطول مدة الإقامة ما لابد أن يعلمه من طالت مدة إقامتهم هناك من سر هاتين الصناعتين: إنماء