١ - مما يُروى حاشية لمقالة المِعَن المِفَن الدكتور زكي مبارك الأديب المشهور في نعيم الجنة التي وُعد بها في الغد لا اليوم المتقون - خبر فرقة اسمها (الروحانية، الفكرية) تعجلت في الدنيا لذات وطيبات في الأخرى ولم تتمهل و (من طلب الشيء قبل أوانه مُنِي بحرمانه) وقد ذكر تلك الفرقة المستعجلة. . (أبو الحسين محمد بن أحمد الملَطي المتوفى سنة ٣٧٧) في منصفه (كتاب التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع) وهو من الكنوز العربية التي أظهرها العربانيون - لا العربيون - منذ ثلاث سنين. وفيه من أخبار النحل ما فات كتبها المشهورة مثل مقالات الإسلاميين، والفِصَل، والملل والنحل، والفَرْق بين الفرَق.
قال الملطي:(ومنهم الروحانية وهم أصناف، وإنما سموا (الروحانية) لأنهم زعموا أن أرواحهم تنظر إلى ملكوت السموات وبها يعاينون الجنان، ويجامعون الحور العين، وتسرح في الجنة، وسموا أيضاً (الفكرية) لأنهم يتفكرون - زعموا - في هذا حتى يصيروا اليه، فجعلوا الفكر بهذا غاية عبادتهم ومنتهى إرادتهم، ينظرون بأرواحهم في تلك الفكرة إلى هذه الغاية، فيتلذذون بمخاطبة الإلهية لهم، ومصافحته إياهم، ونظرهم إليه - زعموا - ويتمتعون بالحور العين ومفاكهة الأبكار على الأرائك متكئين ويسعى عليهم الولدان المخلدون بأصناف الطعام وألوان الشراب، وطرائف الثمار. . . ولو كانت الفكرة في ذنوبهم الندم عليها والتوبة منها والاستغفار لكان مستقيما. وأما هذه الفكرة فبوبها لهم الشيطان لأنه لا يتلذذ بلذات الجنة إلا من صار إليها يوم القيامة، وهكذا وعد الله عباده المؤمنين والمؤمنات).
وذكر ذلك الكتاب صنفاً آخر (من الروحانية) أغرب من الصنف الأول وأنكر. . . قال: (ومنهم صنف من الروحانية - زعموا - أن حب الله يغلب على قلوبهم وأهوائهم وإرادتهم