وثقلت الجوارح، فمات به الأكثرون، ولاذ بعض الأقلين بالقصر العيني يرجون استئصال الداء بالجراحة؛ وقد سمعوا أن أساطين الطب من أساتذة الجامعة هم اللذين يتولون الفحص ويزاولون العلاج ويباشرون العملية، ولكنهم حين دخلوا لم يجدوا إلا أطباء كأولئك الأطباء، ونظاماً كذلك النظام، ومعاملة كتلك المعاملة. أما بقراط وجالينوس وأبن سينا فقد اتخذوا من (القصر) عنواناً ومن (الكلية) وظيفة. فهم يحضرون - إن حضروا - ساعة النهار، فيقابلون أطباء الامتياز، ويحادثون طلاب الطب، وغاية المقابلة أو المحادثة إشارة أو عبارة، ثم ينقلبون سراعاً إلى عياداتهم أو مستشفياتهم يعملون فيها بقية النهار وطرفاً من الليل بصبر الفقير إلى الناس، وعزم الكادح لنفسه.
هذه حال قريتنا في عهد من العهود وكل القرى المصرية على هذا الحال. وإن الناس لينسجون حول المستشفيات الرسمية من الحوادث والأحاديث ما لا يجرؤ القلم على روايته مهما شجع. ولعل في هذه الإشارة ما ينبه أولي الأمر في وزارة الصحة إلى شدة الحسابات ودقة المراقبة؛ فإن الاعتماد في كفاح المرض على التقارير والدفاتر والأرقام، أشبه بالاعتماد في كفاح العدو على رسم المعارك في الورق وكسبها بالكلام!