القرون والأجيال عن أبي العلاء، إلا أن الأول كان مصوراً رساماً والآخر كان شاعراً حكيماً. . .)
أفصحيح أن المعري وديجاس شبيهان في خليقة واحدة لأنهما على نفسيها صارمان؟
هنا قسوة، وهناك قسوة، وهنا تعذيب وهناك تعذيب، ولكن أين قلق الفنان في سبيل الخلق من قلق الناسك في سبيل الإحجام؟ أين تعذيب الجواد بالسوط لينبعث ويسبق من تعذيب الجواد باللجام ليسكن ويكف عن الوثوب؟ أين اللزوميات وهي قيود، من (الأمبرشنالزم) وهي انطلاق من القيود؟ أين رياضة الفقير الهندي المتقشف من رياضة الحسناء بالتقتير على جسدها في الشراب والطعام لتزداد جمالاً على جمال ونشاطاً على نشاط؟ أين الزهد في المال انصرافاً إلى الغني من الزهد في المال انصرافاً عن الدنيا؟ إن الفرق بين تعذيب وتعذيب ليبلغ أحياناً من السعة أبعد مما بين النعيم والعذاب، هكذا كان الفرق بين صرامة المعري وصرامة ديجاس
وثمة خلاف غير هذا الخلاف بيني وبين الدكتور في حديثه عن صديقنا القديم
فالدكتور ينقل شذرة من فصول المعري وغاياته يقول فيها:(يقدر ربنا أن يجعل الإنسان ينظر بقدمه، يسمع الأصوات بيده، وتكون بنانه مجاري دمعه، ويجد الطعم بأذنه، ويشم الروائح بمنكبه، ويمشي إلى الغرض على هامته، وأن يقرن بين النيروسنير حتى يريا كفرسي رهان)
ثم يعقب الدكتور على هذه الشذرة فيقول:(أما أنا فما أشك في أن أبا العلاء قد قصد بهذا الفصل خاصة إلى رأى من أشد الآراء الفلسفية الأبيقورية خطراً وهو إنكار العلة الغائبة وإثبات أن العالم كما هو لم يخلق لغاية من هذه الغايات التي نعرفها نحن ونزعم أن الأشياء قد خلقت لتحقيقها)
وعندنا نحن أن سماع الإنسان بيده أو شمه الروائح بمنكبه لا ينفي العلة الغائبة، لأن الوسيلة والغاية هنا موجودتان، ولم تختلف إلا الوسيلة التي تتحقق بها الغاية
وأصوب من هذا أن يقال إن رأى المعري شبيه برأي المعاصرين الذين يقولون:(إن الوظيفة تسبق العضو، وإن القوة تسبق الظاهرة)
فإذا وجدت الرغبة في الحركة أو في هضم الطعام وجدت الأعضاء التي تتكفل بأداء هذه