للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يحسن أن يعرض عنه فانتهى إلى ما ينتهي إليه أمثاله المغامرون)

ترى ماذا كان المعري قائلاً للدكتور لو سمع منه هذا المقال؟ أخشى أن تكون وقيعة بين الصاحبين وأن كنت لا أخشى أن يعود الشيخ إلى استحسان قصيدة أبي الحسين التي مطلعها:

لك يا منازل في القلوب منازل ... أقفرت أنت وهن منك أواهل

لأن الشيخ يعلم أن الدكتور لا يكره أبا الحسين كراهة الناقص للكامل ويستشفع له بشفيع من طيب النية وصدق الولاء والحق أنني أعجب لهذا النفور بين الدكتور وشاعرنا العربي الكبير، وما أنا ممن يستحسنون كل شعره ولا كل عمله ولكني أزن ما زاده في ثروة الآداب العربية وما زاده في شرور الحياة بسوء عمله وسوء خلفه فأعلم أن الحياة لم تفسد بفساد المتنبي وأن الأدب قد صل بصلاح شعره، وان لأصغر الهلافيت من خلق الله لسيئات أكبر من سيئات المتنبي بكثير واحتملتهم الدنيا مع ذاك. . . أفتحتمل الدنيا هذا من أصغر الهلافيت ولا تحتمله من الرجل الذي لو قبلنا حسناته بألف ضعف من سيئاته لكنا نحن الرابحين؟

هنا أيضاً أعود العاطفة والحجة واحسبني أقرب من الدكتور إلى وفاق الصداقة ببني وبين شيخ المعرة، واقرب إلى الإنصاف

أهذا كل ما أخالف به الدكتور من رأى أو هوى في حديثه عن صديقنا العظيم؟

كلا! بل هناك خلاف وخلاف، وأكثر من خلاف وخلاف هناك قول الدكتور تعقيباً على كلام الأديب الفرنسي بول فاليرى في المصور ديجاس (العجيب الذي لم أكن أتوقعه ولا أفترضه أن كثيراً من صفات هذا لمصور الفرنسي الذي كنت أسمع اسمه وأجهل من أمره كل شي تشبه ما ألفت وأحببت من صفات أبي العلاء. فشدة الرجل على نفسه إلى أقصي غايات الشدة، وشك الرجل في مقدرته إلى أبعد آماد الشك، وارتياب الرجل بأحكام الناس في أمور النفس، وزهد الرجل في الشهرة وبعد الصيت، في الثراء وسعة ذات اليد، وانصرافه عن الحمد الكاذب والثناء الرخيص، وتأجيله لذة الظفر بالفوز، وخلقه المصاعب لنفسه وبغضه للطرق القصار والأبواب الواسعة، وإيثاره الطرق الطوال والأبواب الضيقة - كل هذه الخصال التي يحدثنا بها بول فاليري عن صديقه وأثيره ديجاس قد حدثتنا بها

<<  <  ج:
ص:  >  >>