أهل الصحف، يفضحون الناس: ينشرون من أسرارهم ما يطوون، ويعلنون من أخبارهم ما يسرون، ليسلوا بذلك من يشتري منهم هذه الصحائف، فاحتل للقائه بحيلة. . .
قلت: وأني لي الحيلة؟
قال: سمعت أن هاهنا عالماً جليل القدر يقال له الشيخ بهجة البيطار، لو أقسم على (الإمام) لأبره، ولو قال لسمع منه، وما كان الباشا ليرد له طلباً، وأننا إن قصدناه أوصلنا إلى (الشيخ). أفلك به معروفه؟
قلت: لي به معرفة؟ أقول لك هو أستاذنا وصديقنا ثم إننا إذا لم نلقه سرت بك إلى من مكانته عند (الإمام) مثل مكانته أو أعلى، الزعيم العالم المصلح الشيخ كامل القصاب رئيس علماء دمشق، ومدير معهدها العلمي
قال: إنه رئيسكم الذي. . .
- فقاطعته وأنا أقول: رئيسنا، ولكني لست من العلماء!
- قال: ولمه؟ أو أنت إذن من الجهلاء؟
- قلت: إن علماءنا (يا صلبي) لا يقبلون فيهم من كان مثلي، مخلوع العذار، محفوف اللحية والشاربين، يمشي في الطرقات حاسراً، ولا يرون الرجل عالماً إلا إذا اتخذ عمة طواها ثلاثون ذراعاً، ولحية لا تقصر عن مد قبضة، وأتخذ جبة تسع معه اثنين آخرين، ويضع من كمها وحده جبة ثانية. . . - فضحك صلبي وقال: ولكن هذه الكتب ما ألفتها الأكمام ولا العمائم، وهذا العلم ما جاءت به اللحى. . . أفلا يعلم أصحابك هؤلاء أن العلم دماغ وقلم ولسان؟
وتفضل أستاذنا البيطار فسعى لنا بجاهه عند الباشا (القنصل) حتى جمعنا بـ (الشيخ) فإذا هو فوق ما وصف لنا، وإذا لسان مبين ولغة معربة وحديث كأنك تقرأ في البيان والتبيين أو في عيون الأخبار. ولقد خضنا معه كل بحر، وعرجنا على كل منزل، فسألته عن الشعر واستطلعت رأيه في جديده، وسأله أستاذنا عن مسائل من اللغة والنحو، وعرض عليه أشياء من تمحلات النحاة وغلاظاتهم، فأجاب بأسد جواب وأحكمه، فما كان أعجب من سؤال الأستاذ إلا جوابه، وما تقول فيهما إلا الأصمعي يشافه بلغاء الأعراب من أهل زمانه. . .
وأني مثبت هنا طرفاً من حديثه في الشعر، بكلامي أنا لا ببيانه هو، فما استطعت حفظ ما