المرأة وجمالها، ولكن لم يستطيعوا أن يرفعوها فوق الناس وأن يجعلوها من طينة غير طينتهم، وأن يبرئوها من مادة التراب حتى تخلص لصفاء الروح ثم يجعلوها ملكاً يسكن السماء. أني لأعجب لكم!. . . عندكم هذا الشاعر ولا تفاخرون به شعراء الأرض؟
ثم قرأت عليه من شعر حافظ فأعجبه ولكنه قال:
هذا من عيار وذاك من عيار، وليست أسوى بينهما. إن الأول عبقري إمام، وهذا مقلد ذو بصيرة، وسباق ذو ثبات.
قلت: إن الناس كانوا يسوون بينهما أو يقاربون يوم كانا حيين، وللأحياء مقاييس من صداقة أو عداوة، ولهم صفات يحبون من أجلها أو يبغضون: كخفة الروح وبسطة الكف وحسن المجالسة. فلما ماتا ولم يبق إلا موازين الأدب بدأ الناس يدركون أن بينهما بوناً شاسعاً وأمداً بعيداً.
ثم أسمعته لكثير من الأحياء فلم يعدل (بأحمد محرم) و (بشارة الخوري) أحداً وفضلهما على كل من ينظم اليوم شعراً، وأعجبه غزل (رامي)، وأنس بجزالة شعر (البارودي) وحسن ابتكار (صبري). وقرأت عليه من أشعار الشاميين، فقدم (الزركلي) وأستقل شعره وعجب من سكوته الآن، لأن الشاعر عنده من ينظم أبداً لا ينقطع حتى ينقطع عن نفسه سيل العواطف ويجف منها معين الحس. ومن يقول مثل شعر الزركلي الوطني الذي يسيل منه الدمع، دمع القلب، لا يمكن أن ينضب ينبوعه. وقد كره قصيدته (العذراء) ورأى فيها ضعفاً في التأليف بيناً. وأعجبته جزالة شعر (محمد البزم) ولكنه رأى ألفاظه أجزل من معانيه ومفرداته أمتن من جمله، وأخذ عليه قوله:
إذا كان من أسدى لك الشر هيناً ... فقل لي أبيت اللعن من أين تثأر
وقال إن العرب تقول أسدى إليه يداً ولا تنطق بها في الشر، أما قوله (أبيت اللعن) فإقحام لا معنى له، لأنها كلمة كان يخاطب بها ملوك الجاهلية وقد بطلت، فأي ملك من ملوك الجاهلية يخاطب؟ وأخذ على (مردم) قوله في نشيده:
سماء لعمرك أو كالسماء
ورآه سبكاً مقلوباً، وكان ينبغي أن يقول هم كالسماء بل هم سماء، وكره منه قوله في مطلع النشيد: