للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قال الأستاذ البيطار: لقد كنت حاضر السوق وسمعتها ولكني لم أرتضها ولا ارتضاها صديقي أبو قيس

قال الشيخ: ومن أبو قيس؟

قلت: هو التنوخي الذي حدثتك عنه، وهذه كلها أسماؤه وله غيرها. قال: ما أكثر ماله من أسماء!

قلت: وما أكثر ما له من فضائل وحسنات، وكثرة الأسماء دليل على شرف المسمى

قال: هذا صحيح! قلت: أتحب أن أقرأ لك من شعر شوقي؟ قال: أسمع اسماً منكراً!

قلت: نعم، ولكن له شعراً معروفاً. إنه الذي يقول في الأزهر:

قم في فم الدنيا وحيَّ الأزهر ... وانثر على سمع الزمان الجوهرا

واخشع ملياً واقض حق أئمة ... طلعوا به زهراً وماجوا أبحرا

كانوا أجل من الملوك جلالة ... وأعز سلطاناً وأفخم مظهرا

فاستوى جالساً، وقال: لا جرم أنه شعر معروف، هذا هو الشعر لا ما صككت به سمعي آنفاً، هذا هو الشعر. لقد أنطق أعظم ناطق وهو الدنيا، وأسمع أجل سامع وهو الزمان، وجعل مدح الأزهر جوهراً، وهذا لعمر الحق أكبر مما صنع امرؤ القيس حين وقف واستوقف، وبكى وأستبكى. . . ثم وصف أئمته بخير ما يوصف به علماء، سمو كالنجم ونور كالنجم، وهدى كهدى النجم، وعلم كالبحر وهم بكثرتهم كماء البحر، ولو شئت لكشفت عن خمسين معنى مستتراً وراء قوله (طلعوا به زهراً وماجوا أبحرا) زدني من قوله. . .

فمضيت في القصيدة حتى بلغت قوله: (يا معهداً أفنى القرون جداره) فترنح، طرباً، وأعجبته صورة هذا الجدار، وهو قائم في وجه القرون كالصخرة تريد عنه القرون كليلة عاجزة، ثم تفنى وتضيع كما الأمواج عن الصخرة ثم تذهب وتضمحل والصخرة راسية ولا اضمحلت.

واستزادني من شعره فأنشدته قوله وهو لم يبلغ العشرين:

صوني جمالك عنا إننا بشر ... من التراب وهذا الحسن روحاني

أو فابتغي فلكاً كوني به ملكاً ... لا تنصبي شركاً للعالم الفاني

فهزه الطرب هزاً وقال: إن الشعراء يقولون ولكن مثل هذا ما يقولون. إنهم وصفوا حسن

<<  <  ج:
ص:  >  >>