قال: هذا شيء ما أعرفه لكني لا أعيبه، ولقد طربت لما سمعت منه. . . قلت: أفلا أسمعك من شعر أهل زماننا؟
قال متعجباً: وأن لأهل زمانكم لشعراً؟
قلت: ولم لا يكون؟ أسمع مقطوعة من حديث الشعر لشاعر أسمه فياض، قالها على لسان المتنبي أكبر شعراء العرب كأنه يعلمه بها كيف يكون القول
قال: هذا لعمري النبوغ فماذا قال؟ قلت: قال:
جسدي النازل من شهوته ... سلم العار وروحي السامية
يا لعمر مشياً فيه معاً
فوثب كمن داس على جمرة، أو لسعته عقرب، فأمسك بفمي فسكت فزعاً فقلت: مالك؟
قال: ما هذا؟ قلت: شعر جديد!
قال: أعوذ بالله (جسدي النازل من شهوته)؟ وهل كانت شهوته جبلاً عالي الذرى، أو قصراً شامخ الدعائم حتى ينزل منها؟ وإلى أين ينزل؟ وهل بعد الشهوة منحدر، أو دونها منزل؟ وما (سلم العار)؟ هل هو جسده؟ فكيف صار سلماً؟
قلت: لعله أراد أن جسده ينزل على سلم العار، أي ينحط في درك العار بسبب شهوته التي ركبت فيه، فما استقام له طريق القول؟
قال: برئت من العربية إن كان هذا يفهم من كلامه، أننا نعرف (ينزل فلان) إذا كان عالياً وهبط، و (وينزل البلد) إذا سكنه، و (ينزل بالقوم وعليهم) إذا حل فيهم، و (ينزل من الجبل) إذا كان قد صعد فيه، و (ينزل إلى الوادي)، (وينزل على الدرج)، ولا نعرف (نزل السلم) إلا إذا قام فيه، كما يقيم المرء في المدينة، ثم أن السلم يصعد عليه من يكون على الأرض، فأين كان هذا حتى نزل على السلم؟ هل ولدته أمه على المنارة فنشأ فيها، ثم بدا له فنصب له (سلم العار) لينزل عليه؟
قلت: أو لا تسمع سائر المقطوعة؟ قال: لا والله
قلت: ولكنه ألقاها على ملأ من الأدباء والشعراء في سوق من أسواق الأدب في دمشق، كان أقامها أديب من أدباء تنوخ أسمه عزالدين بن علم الدين، فسمعوها وارتضوها وما رأينا فيهم من أنكرها عليه