من أفراد بعض الأسرات لا يمكن أن يعزى إلى التربية والبيئة، بل لا بد أن يكون نتيجة الوراثة. ولا شك أن القارئ يلاحظ مما سقناه من جولتن أنه من الأنصار المتعصبين لمذهب الوراثة، وأنه ينسب إليها كل الفروق السيكلوجية بين الأفراد. ومما يؤثر عنه في كتابه (النبوغ الوراثي) قوله: (إن الأفراد الذين ميزوا أنفسهم في الحياة الاجتماعية لا يمكن أن يكونوا قد وصلوا إلى مراكزهم الممتازة إلا بالمواهب الطبيعية)
وليست قيمة أبحاث جولتن محصورة في النتائج التي وصل إليها، بل إن الطريقة العلمية التي أتبعها في أبحاثه تعتبر بنت أفكاره، فقد أستخدم الإحصاء والتحليل العلمي في طرق بحثه. وكانت نتائجه العلمية مبنية دائماً على عمليات رياضية ومقاييس حسابية دقيقة. وقد اقتدى به في طرقه العلمية هذه خلفه الأستاذ كارل بيرسن رئيس معمل جولتن بلندن الآن، والأستاذ تشارلس سبيرمان السيكلوجي الشهير.
كان لجولتن أثر محسوس في إيقاظ الرغبة في بحث الفروق السيكلوجية بين الأفراد، كما كان ذا نفوذ علمي كبير في توجيه علم النفس التجريبي ومقاييس الذكاء. وذلك بواسطة الاختبارات التي أبتكرها لقياس قوة الخيال ودقة الإدراك الحسي. أبتكر جولتن مقياساً به نعرف دقة تمييز الأفراد للأثقال المختلفة اختلافاً بسيطاً، كما أبتكر الصفارة المعروفة (بصفارة جولتن) لقياس قدرة الأفراد المختلفة على سماع النغم العالي وتمييزه ووضع عدداً من الاختبارات لقياس قوة الشم والذوق واللمس وغيرها من الحواس.
وكانت هذه المحاولات من جانبه لمعرفة الفروق الحسية بين الأفراد ترمي إلى معرفة ما إذا كانت هناك علاقة تلازمية بين الذكاء وبين قوة الإدراك الحسي ودقته في نفس الفرد. ويؤيد ما نقول أنه كان دائماً يختار للبحث والقياس أفراداً بينهم تفاوت كثير في الذكاء. كان يختار عبقرياً وضعيف العقل ثم يجري عليهما تجارب في الإدراك الحسي ليعرف: هل هناك تلازم بين قوة الإدراك الحسي ودقته في الفرد وبين ذكائه أو غبائه.
غير أنه لسوء الحظ وبالرغم من مجهوده العظيم ومحاولاته الكثيرة لم يجد تلازماً يذكر بين ذكاء الفرد وقوة إدراكه الحسي. وبالرغم من هذا نجد أن بحوثه وطرقه العلمية كان لهم أثر عظيم في كل ما أجرى من تجارب سيكلوجية حتى نهاية القرن التاسع عشر حين ظهرت مقاييس الذكاء التي وضعها السيكلوجي الفرنسي الشهير ألفريد بينيه يقسم جولتن الأفراد