للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمُ يؤْثِروكَ بها إذ قدموك لها ... لكنْ لأنفسهم كانت بك الخِيَر

فأطلقه عمر وهدده بقطع لسانه إن هجا أحداً، واشترى منه أعراض المسلمين بثلاثة آلاف درهم. وكذلك فعل عثمان رضي الله عنه مع ضابئ البرجمي، وكان قد أستعر كلباً من بعض بني حنضلة يصيد به، فطالبوه به فامتنع من إعطائه فأخذوه منه قهراً، فغضب ورمى أمهم بالكلب وهجاهم بقوله:

فيا راكباً إما عرضتَ فَبلِّغَنْ ... أُمَامَةَ عني والأمور تَدُورُ

فأُمَّكُم لا تتركوها وكلبكم ... فإن عُقُوقَ الوالدين كبير

فأنك كلب قد ضَرِيت بما ترى ... سميعٌ بما فوق الفراش بصير

إذا عَبِقَت من آخر الليل دخنةٌ ... يبيت لها فوق الفراش هَدِيرُ

فاستعدوا عليه عثمان فحبسه وقال: والله لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حياً لنزلت فيك آية، وما رأيت أحداً رمى قوماً بكلب قبلك.

ثم جاء بنو مروان بعد الخلفاء الراشدين فعادوا بالشعر إلى سنته الأولى قبل الإسلام، وعملوا على تقديم الشعراء الذين سلكوا في الشعر هذه السنة من جرير والفرزدق وأضرابهما، وعقدوا لهم لواء الزعامة على غيرهم من الشعراء، وتأثر علماء الأدب الذين كان يقربهم أولئك الملوك بهم، فذهبوا في الشعر والشعراء مذهبهم، وقدموا من الشعراء من قدموهم على غيرهم، حتى أن الأصمعي رحمه الله كان يقول: إن الشعر لا يقوى إلا في باب الشر، فإذا دخل في باب الخير لان، وإنما طريق الشعر هو طريق شعر الفحول مثل امرئ القيس وزهير والنابغة، من صفات الديار والرحل والهجاء والمديح والنشبيب بالنساء وصفة الخمر والخيل والحروب والافتخار وما إلى ذلك، فإذا دخل في غيره مما دخل فيه بعد الإسلام ضعف ولان. ألا ترى أن حسان بن ثابت كان شديداً في الجاهلية والإسلام، فلما دخل شعره في باب الخير من مراثي النبي صلى الله عليه وسلم وحمزة وجعفر رضوان الله عليهما وغيرهم لان شعره

ولست الآن بصدد الدفاع عن ذلك الرأي في قياس الشعر بموضوعه وأغراضه قبل أن يقاس بألفاظه ومعانيه، وفي تقديم الشعر الجاد النافع في الحياة على ذلك الشعر الذي لا يعني إلا بالألفاظ، فالذي يهمني الآن أن أبين أن ذلك إذا كان جناية على الأدب الجاهلي،

<<  <  ج:
ص:  >  >>