وللثَّكالَى نَشيجٌ ردّ حرْقَتهُ ... في كلِّ بيت تداعى مضجع خرِب
ولِلأجنةِ همسٌ حول مصرعها ... كأفرخ فَتَّ في أكبادها اللغب
قد أعْجلتهْا يدُ الُفتاك مولِدَها ... فَعمرُها قصة فوْق الثرى عَجب!
هزَّ الصَّباح لها مَهْداً، وأرضعَها ... قطرَ النَّدى، وكساها ضوؤهُ القشِب
وفي الضحى نشقتْ آجالَها. . . وغَدتْ ... عُمراً حديثُ الأسَى عن أمسِهِ كذب
ميْدانُ حربٍ هُنا!؟ أم تِلك مجزرةٌ ... دمُ الحضارةِ فِيها رَاحَ يَنْسكِبُ؟
في البر، في البحر، في صدر السماءِ وغى ... لمخْلب الوحش فيها النصر والغلب
أتتْ إلى غابهِ الأشْلاءُ صاغرةً ... فعافها وتجافى نَتْنها السّغب
يا حان (عِزريل) إن الكرْم قد نضجت ... به القطوفُ وحيَّا كأسهُ العنب
قمْ أتْرع الدَّنَّ. أوْ لا! فَهْي مترعةٌ ... فاحبسْ خُطاك، عداها الأيْنُ والتعب
وادعُ الندامى، وقل للظامئين: هنا ... نبعٌ من الموت بالأرواح يصطخب
هيَّا اشربوها على نخبِ الطُّغاةِ فهُمْ ... من خمرِها في ليالي الحرب كم شربوا. . .
وكم تنادَى ضُحًى بالسِّلم عاهلُهم ... فما دجى الليْل حتى راح ينقلب
وأرسل البغتةَ النَّكراَء صاعقةً ... تدِفُّ من نارها الأرزاءُ والنُّوَب
الناسُ منها أعاصيرٌ مُزمجِرةٌ ... يرتجُّ في يدها الفولاذ واللهب
والموتُ شاعرُ آجالٍ على فمه ... ينعى النشيدُ، ويَرثى نفسه القصب
قد جُنّ فارتجلَ الأعمارَ قافيةً ... مزمورُها من قلوب الناس منتهب
تُرى الحضارةُ ثكلى في مآتمهِ ... ودمعُها من جِراح العصر مُنسرب!
يا قَومَنا وتُرابُ (النيل) ضجّ بنا. . . ... أما كفانا عليْه اللهو واللعب!
أما كفانا كرىً في جنَّة سجدت ... لها العصور وأحنت رأسها الحِقب!
وجاسَ (هاروت) يوماً في ظلائلها ... فردّه سحرُها حيْرانَ يرتْعب
تَبكي الرُّقَى بين كفَّيهِ تمائِمها ... بكاَء راجي الأماني خانه الطَّلب
وكيف؟ والسحرُ في أعتابها رصَدٌ ... وحُسنُها بشعاع السحرُ منتقب
هذى المحاريب كم ريمت دفائِنها ... فأقسمت أرضها لن ترفع الحُجب!
قد ختَّمتْ سرَّها الأقدار فانع لها ... مَن راحَ مِن فمَها للسرِّ يرتقب