وكم تحَّطمَ جَبّارٌ على يَدِها ... ودُكَّ باغٍ قوىُّ البطش مغتصب
شُطآنُها الخضر ألواحُ مقدَّسة ... تنزيلُها عَجَزتْ عن حمله الكتُب
سمراءُ، مسكيَّة الأغراس طاهرة ... وفيَّةٌ ما دَنتْ من عهدها الرِّيَب
كانت مصلَّى جبين الدهر في زمن ... ملَّتْ قرابينَه الأصنام والنُّصب
والناس من نَزَق الفوْضى وظُلمتها ... ماجوا من الجَهل كالقُطْعان واضطربوا
كلنا لهم قبساً (فرَعوْن) أشعلَه ... كيْما تضِئ به للعالَم الشُّهُب
لولا شعاع سرَى من مَهدنا لغدتْ ... أَجيالهم في ظلام الفكر تحتجب!
والنخل فيها كفرسان على كثَب ... ترنَّحَ النصرُ فيهم بعدما غلبوا
ترجَّلوا، وشأت أعلامُهمْ، ومضتْ ... رُءُوُسهْم بِفُروع الْغار تَعْتَصِب
إنْ هَزَّها الرِّيحُ خِلتَ الجيش صاح به ... منْ بوق (رمسيس) صوتٌ صاخبٌ لجب
وإن سجتْ قلتُ عباد قد ابتهلوا ... في مَعبد حفَّهُ الإجلال والرهب
والنيلُ جبار آبادٍ كم احتُضرت ... بشاطئيهِ سنونٌ واختفت حِقب
الأسيَوُّيون حجوا فوق صفحته ... وأُنسيتْ مَهدها في ظِّلهِ العرب
وأَقبلَ الغرب أَرسالاً متيَّمةً ... كأنما عُلِّقت في زرْعه الصُّلُب
أمواجه هتفت بالناس: مِن زَبدى ... ومن رَشاش هَديري ينبت الذهب
دعوا الغمامَ وشوْق الموَعدين به ... فلجَّتي من سُفوح الخلد تَنسكب
كلَّت بأرضي خُطا الأيام من سفر ... ما مسَّ خطْوي به يأسٌ ولا تعب
علا وقارُ الندى كفى فما افتخرتْ ... على النزِيلِ بما تعطِي وما تهب
تَّسَّيْت كل غريب أهله، فغدا ... من ذاقني مرّةً للنيل ينتسب!
يا شعبَ (مصر) وَعظْتُ اليوم فاستمعوا ... فإنني لكُم يوْمَ الفَخَارِ أَبُ!
خلقتُ من أرضِكم للشمس رابيةً ... عِطرُ الخلودِ بها رّيان منسكب
النورُ فوق مَجانيها وأغْصُنِها ... متيَّمٌ شَفَّهُ الإغرادُ والطرَب
وحاملُ الفأس يسقيها حُشاشته ... وحظه من جَناها البؤس والوَصب
من عهد آدم يَرعاها. . . وشِقْوتهُ ... دمعُ السواقي لها غضبان ينتحب
الأسمَرُ القانعُ المسكينُ تحسبهُ ... في الكوخ بينَ حماهُ والبلَى نسب