للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المدنية، فما هي المدنية؟ ليست المدنية لبس القبعة الحريرية، أو المعرفة بفن وجنر، أو الاضطلاع بعلم الكيمياء. ولكن المدنية هي معرفة فلسفة الحياة الحقة، هي أن تدرك تماماً أن القوة ليست الطريق إلى المجد، وأن المادية العمياء ليست كل شيء في الحياة، وترى راحتك في عمل الخير للصالح العام. إن الألمانيين ولا شك أكثر انهماكاً في دراسة الكتب من البريطانيين، ولكنهم لم يدركوا هذه الحقيقة، فهم أذن بعيدون كل البعد عن المدنية.

يقول بعض المتشائمين: إن كل شيء في الحياة قد تناولته يد الفساد فما أجدرنا بأن نهدم بيدنا كل شيء ونبني حياتنا من جديد! وما أجدرنا بأن نقتدي ببساطة ذلك الهمجي النبيل ولكن الهمجي النبيل ليس إلا أسطورة في خيال ذلك القائل المسكين، إن أهالي الشعوب الهمجية على ما عرف عنهم من الخرافات الكثيرة ليسوا بسطاء، فهم يطوون قلوبهم على الشحناء ويجدون فخارهم في الحروب.

إن الحياة ولا شك لم تصل إلى الغاية التي يستريح فيها كل إنسان، وعلى الأخص الفقراء، ولكن حالة الفقير اليوم خير منها بالأمس والعالم بمختلف طبقاته اليوم أكثر اتجاهاً إلى البر والإحسان والاعتراف بحقوق الفقراء مما كان عليه منذ مائة عام. لقد أخذت الشعوب تجني ثمار الراحة والرفاهية نتيجة جهادها الجهل والقسوة مئات السنين. ونحن مطالبون اليوم بأن نحارب تلك الدعاوى الباطلة التي غرس بذورها هتلر ولينين، ضناً بتلك الثمار النقية من الفساد

وإن بريطانيا وفرنسا لتزهيان بقيامهما بواجبهما في سبيل الدفاع عن المدنية، ضد هذه الحالة التي ترجع بالعالم إلى عصور الهمجية الأولى، ولا تختلف عنها إلا في استعمال الطائرات قاذفة القنابل والمدرعات الحربية بدلاً من القوس والنبال.

إن الكفاح العظيم الذي نراه اليوم قد أوجد بيننا نوعاً جديداً من الوئام والارتباط، ونحن نرى روح التعاون اليوم يشع نورها في كافة الأنحاء، ومن واجبنا إذا انتهت الحرب أنعمل على دوام هذه الروح، ومن واجب وزارة الخدمة العامة ألا تغلق أبوابها إذا دقت الأجراس مؤذنة بانتهاء الحرب ليدوم هذا التعاون الجميل لمكافحة الجهل والفقر والمرض.

<<  <  ج:
ص:  >  >>