للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لغة الأدب ولغة العلم

من تقصى محققاً كما يتقصى الفاضل الباحث (الدكتور بشر فارس) الأديب العربي المشهور علم (أن اللغة لا تنحصر في الإنشاء الأدبي فثمة الإنشاء العلمي، وله أن يجري إلى جانب الإنشاء الأدبي: هذا في شعب وذاك في شعب، وفي تاريخ آدابنا ما يؤيد هذا. . .)

ولي شيء كنت قلته في تضاعيف كلام في خطبة طويلة منذ ثلاثة عشر سنة - يعضد المعنى الذي غزاه (أي قصده) الدكتور المفضال، وقد رأيت أن أشيع مقالة (الفارس) - وإن لم تفتقر إلى تقوية - بأن أروي اليوم في (الرسالة الغراء) ذاك الكلام:

. . . لا تلوموا العربية ولوموا أمة ركضت إلى الدعة (قبح الله الدعة) ثم قعدت

ليس المروءة أن تبيت منَّعما ... وتظل معتكفاً على الأقداح

ما للرجال وللتنعم، إنما ... خلقوا ليوم كريهة وكفاح

والحركة - كما قالوا - ولود والسكون عاقر، وقد قال أبيقور: أي معنى للكون بالسلم بفقدان الحركة؟ ولام هذا الحكيم هومير حين سأل الآلهة أن تصطلح كي تزول الحروب

إذا المرء لم يغش الكريهة أوشكت ... حبال الهويني بالفتى أن تقطعا

وأبن نتشه يرى أن عمل الرجال إنما هو القتال، وعمل النساء هو تمريض الجرحى. وليس القصد (يا بني) أن تغلب أو أنتغلب بل القصد أن تكون حرب، أن تكون حركة. . .

. . . فليست اللغة العربية (والحالة في تلكم العصور كما سمعتم عنها) بمستأهله أن تلام وأن تعاب، فإنها لا بست ضعفاء فلبست كساء ضعف، وعاشرت وضعاء فارتدت شعار ضعة، وما الضعف وما الضعة (والله) من خلائقها. ولو استمرت تلك القوة، ولو استمرت تلك المدنية، ولو لم يكن ما كتب في اللوح أن يكون - لملأت بدائع العربية الدنيا، فإنها معدن البدائع، ومنجم كل عبقري رائع.

على أن لغة العلم في العربية، وللعلم لغة وللأدب لغة، لم تضم ضيم أختها، وما المقاصد والمواقف وشرحاهما، وأقوال أبن الخطيب ومقدمة أبن خلدون، وكلها في العصور المتأخرة، بالتي تذم (في أسلوب اللغة العلمي) جملتها. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>