للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لمَّا نظرتِ إليَّ عن حَدَق المَها ... وبَسمتِ عن مُتفتِّحِ النُّوارِ

وعقدتِ بين قضيب بانٍ أهيف ... وكثيب رمل عُقْدَة الزُّنَّار

عفَّرت خدي في الثرى لك طائعاً ... وعزمتُ فيك على دخول النار

ومن الثاني قول معن بن أوس:

لَعمْرك ما أهويت كفِّي لريبة ... ولا حملتني نحو فاحشة رِجْلي

ولا قادني سمعي ولا بصري لها ... ولا دلَّني رأيي عليها ولا عقلي

وأعلم أني لم تُصبني مصيبةٌ ... من الدهر إلا قد أصابتْ فتى قبلي

ولستُ بماش ما حَييتُ لمنكرٍ ... من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي

ولا مُؤْثر نفسي على ذي قرابة ... وأوثِرُ ضيفي ما أقامَ على أهلي

ولكنا لا نحب للدكتور زكي مبارك أن يمضي في ذلك إلى حد التسوية بين روح الخير وروح الشر في الشعر، فيجعل قول ديك الجن مثل قول معن بن أوس بعد اتفاقهما في قوة الروح، لأنه يبقى بعد هذا شرف المعنى والغرض وهو مما لا بد من اعتباره أيضاً في المفاضلة بين شعر وشعر، أو كلام وكلام. ولا يمكن الدكتور زكي مبارك أن ينكر هذه الناحية في الموازنة الشعرية، فقد ذكرها في قوله تعالى: (وَلا يَجْرِ مَنَّكُم شَنَآنُ قَوْم على ألاَ تَعْدِلُوا)، فجعل الفضل فيه لهذا النصح النبيل والمعنى الشريف والدعوة إلى إيثار العدل في جميع الأحوال، من غضب وسكون، وحب وشنآن، وإذا لم يكن للدكتور زكي مبارك بد من اعتبار ذلك أيضاً فإنه لا يكون بيننا وبينه فرق فيما ندعو إليه من ذلك الإصلاح، ولا يكون له حق في تلك الحملات القاسية التي تقف عقبة في سبيل غايتنا جميعا.

هذا وإذا كانت اقتصرت في أول هذا المقال على موقف للدكتور زكي مبارك من كتاب (في الشعر الجاهلي) فلأني أحببت الترفق به، ولم أشأ أن أذكره بمواقف له جارى فيها أستاذه في الجناية على الأدب الجاهلي، وذهب إلى الشك في صحته كما ذهب إليه قبله، وتلك هي الجناية على الأدب الجاهلي حقاً، لا ما ذهبنا إليه من ذلك الإصلاح، والله الهادي إلى الصواب.

عبد المتعال الصعيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>