للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعرفه أحد من الجالسين وتارة يشير إليه أحدهم من بعيد قائلاً: (هذا هو (جان بيران) مكتشف شحنة الإلكترون ومحدد عدد - أوفوجادرو). وإذا تركت المقهى ودخلت إحدى المكتبات أمكنك أن تشتري صورته إذ تباع للجمهور كما تباع صور الملوك والفاتحين، ذلك أن بيران من العلماء المعروفين فقد توصل في الوقت ذاته الذي قام فيه مليكان بتجاربه السابقة إلى شحنة الإلكترون وإلى النتائج ذاتها من سبيل جديد يختلف جد الاختلاف عن سبيل مليكان، ويتميز بدقة الموضوع ومهارة الطريقة وبساطة التجارب وقوة الاستنتاج وعظمة الاستقراء، فأنم هو أيضاً أسطورة جديدة نأتي عليها لنكون قد أنصفنا العلم وأرضينا التاريخ، وهي الأسطورة التي وإن كانت تمت فصولها في سنتي ١٩٠٧، ١٩٠٨ منتي تجارب مليكان، إلا أن معهد السويد منحه عنها جائزة نوبل في سنة ١٩٢٩.

تحضرني ليلة في السوربون إذ كانت الساعة التاسعة مساء دخل هذا العالم بعد نيله الجائزة المدرج الكبير ليحدث العلماء والجمهور الباريسي عن أسطورته الخالدة، وتمر بذاكرته الصور العديدة التي عرضها، والجمهور الغفير الذي استمع إليه، هذه الأسطورة أخط فيها على صفحات الرسالة مقالاً أو اثنتين وأعنونها (أرقام تتحدث) وهو العنوان الذي اتخذته لموضع مليكان، ولقد كان في الواقع (بيران) هو أيضاً أمام أرقام تتحدث إليه، وفهم حديثها، واستطاع أن ينقل هذا الحديث إلى الناس، وأن يسطره في حالة مفهومة ومعقولة للأجيال القادمة

لي من هذه الأساطير غاية لقراء الشرق، الأدباء منهم والعلماء والمطلعون، أطمع أن تتعدى الحدود العلمية التي أردنا منها هذا النوع من الكتابة في التبسيط، ذلك أن يستنتج القارئ فوق ما قصدناه من علم أن العمل العلمي ككل عمل سلمي هو حجر الزاوية في مستقبل الإنسان، وأنه خير لسكان هذه المعمورة عن كل ما عداه من الأعمال، فالعلم يحمل في طياته سر الوجود وعليه وعلى المتصلين به تترتب حركة التقدم، وغرضنا أن يدرك القارئ من وقت لآخر أننا مهما أصبنا في هذه الأزمنة من محن فإن أنصار الإنسان موجودون وموجودون دائماً. ثمة أناس حريصون على الميراث العلمي الكبير يشعلون دائماً شمعة المستقبل، وغايتنا أن يدرك القارئ أن الإنسانية تخطو دائماً خطوات جريئة إلى الأمام وأن يلمس شيئاً من هذه الخطوات على حقيقتها فيلمس أثر ما بلغته الفلسفة وما

<<  <  ج:
ص:  >  >>