للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لمحاربتي أيها القلب!

إن الحرب بين الممالك والشعوب يسبقها النذير ليأخذ الرجال أهبتهم للصراع والقتال، والحرب بيني وبينك لا يسبقها نذير حتى استعد لمصاولتك ومغالبتك. فمن أنت بين المغتالين، أيها القلب؟

وقد دَرج المقاتلون منذ آماد طوال على الترفق بأسرى الحرب وأنت لا تعرف الرفق بأسيرك، أيها القلب!

فمتى ينصرني الله عليك فأجزيك ظلماً بظلم وعدواناً بعدوان؟

أنت الذي جعل إيذاء الصديق للصديق من شرائع الوجود، أيها القلب.

فكيف أعاتب أصدقائي وأنت على قربك أول من أتلقى منه الطعنة الدامية؟

أنت تظلم وتغدر وتفتك، وما أسأت إليك في سر أو علانية، وليس بيني وبينك واش ولا نمّام ولا رقيب.

فكيف ألوم صديقاً يغدر أو يخون وبيني وبينه ألوف من المفسدين والمرجفين؟

عنك تلقيت درساً لن أنساه، أيها القلب، فعدوانك وأنت صديق لا تصل إليه الوشايات والسعايات دليل على أن الدنيا قامت على أساس منخوب لا يصلح للخلود.

لو كانت الدنيا أهلاً للجمال لكان من المستحيل أن تكون الأشواك أطول أعماراً من الأزهار والرياحين.

ولو كانت أهلاً للقوة لما جاز أن يقضي الأسد دهره وهو محموم.

ولو كانت الدنيا أهلاً للرفق والعطف لصار من العسير أن يفسد ما بيني وبينك، أيها القلب.

إن آهة الألم من الحيوان الفاتك هي التي تدل عليه الصائد المغتال حين يطرق الغابة بليل.

وزقزقة العصافير في الظلمات هي التي ترشد الثعابين إلى عشها الأمين.

ورحيق الأزهار هو الذي يسلط عليها خراطيم النحل.

والنور الذي ينبعث من مخدع آمن قد يعرِّض مدينة برمتها إلى غارة جوية.

فما الذي دلَّك عليّ، أيها القلب؟

دلتك القوة؟ دلَّك الرفق؟ دلَّك الضعف؟ دلك الشعر والخيال؟

أنا أعرف أني كتلة جسيمة من الأحلام والأوهام والحقائق والأباطيل، فمن أي جانب نفذت

<<  <  ج:
ص:  >  >>