إلي، أيها الغادر المغتال؟
تخلَّقْ مرة واحدة بأخلاق المحاربين الشرفاء، أيها القلب، وحدثني كيف استطعت النفاذ إلى ما أقمتُ من معاقل وحصون؟
أنت قوة خطرة مخوفة، أيها القلب، ومن حقك أن تَبغي وتستطيل، لأني سوّيتك بيدي، وطوفت بك في الشرق والغرب لأمدك بأصول القوة والعنف، وآية هذا العصر هي نكران الجميل، فلا عتب عليك ولا ملام إن بذلتَ في إيذائي كل ما زودتك به من جهد وعافية (ومَن غرس الرياح جنى العواصف)!
كل حرب إلى سلام، وكل شقاق إلى وفاق، إلا ما بيني وبينك، أيها القلب.
سيتعب أعدائي فينسحبون من ميدان القتال، ولن تتعب أيها القلب، لأنك جذوة من العواطف لا تخمُد ولا تبيد.
فهل تراني أتمنى لك الخمود وأنت صديق؟
الناس على دين زمانهم، أيها القلب، وأنت اصطنعت الغدر طاعةً لزمانك، فكيف لا أستبيح الغدر طاعةً لزماني؟
أتراني ألتفت إلى رعاية الجوار؟ وهل رعيت أنت الجوار ومثواك بين ضلوعي؟
المودّات في الدنيا أخذٌ وعطاء، فكيف تنتظر أن يكون أمري كله إليك، ولا يكون لي سلطان عليك؟
كيف تنتظر ألاّ أتقدم أو تأخر إلا بوحي منك وأنت لا تسمع دعائي مرة واحدة فتَصدِف عمن تسقيهم الشهد ويسقونك الصاب؟
أنت الشريك المخالف، أيها القلب، والشريك المخالف تعوّذ منه الآباء والأجداد. فكيف أسلم من شرك ولن يفرِّق بيني وبينك غير الموت؟
إن أمرك لعجيب غريب، أيها القلب، فأنت تغدر بي، ثم تفي لسائر أصدقائك وأصفيائك.
أنت والله لئيم، أيها القلب، فأنت لا ترعى عهدي لأنك وثقت بأمانتي ثقةً أبدية. وأنت تراعي غيري ممن أحببت لأنك تخشى أن ينقلبوا عليك. والاتجار بالصداقة من أخلاق زمانك، وأنت ابن زمانك، فشرِّق في مكايدتي وغرِّب، فسأبقى بجانبك يوم تنكشف لك أخلاق الزمان فتصبح بلا صديق.