- لتفهمها، ولا تستعين بالدماغ الذي يفككها ويقضي على روعتها، هذه الرسائل هي الشرع الحقيقي وهذه الاحساسات الباطنة هي التي حدت (بالرمزيين) الى أن يعالجوا اعمق عالم مظلم في أنفسنا، ويعبروا عن هذا العالم تعبيراً شعرياً.
أجمع علماء النفس على أن العقل الواعي ما هو الا مظهر حقير من مظاهر العقل الباطن الكامن في (اللاشعور) وهذه العقيدة الفلسفية اضطرت الشعراء والفنانين الى الانطلاق من قيد العقل الذي لا يحكم الا بوعيه، ولا يخضع الا لحكمة، وقالوا ان العقل الواعي بما فيه من أفكار واضحة انما وجد لكي نستخدمه في حياتنا العملية والتفكيرية. ولم يوجد ليكون معبراً عن الحياة الشعرية، إذ يجب على الشارع أن يرتفع عن هذه العوالم المتجسدة، ويخوض في البقاع التي يتلاقى فيها النور بالظلمة، والبيان بالغموض والشعور باللاشعور.
الشعر الرمزي كالاحلام:
لا نكاد نجهل نصيب الرؤى التي تطرقنا في أحايين وأحايين. فنمت أحلام واوهام وحوادث تبدو وتتوالى لا يدفعها جهد، ولا يربط ما بينها منطق. تظهر كقوة خفية لا يمكن تعليلها ولا تحليلها على أن بعض هذه الاحلام قد يجيء عذبا لذيذاً يسعد النفس بما يجمل اليها من أوهام، أليس من هذه البعض تلك الاحلام التي تغنى بها الشعراء لانها مثلت الهم أطياف الاحباب؟ فودوا لو ان حياتهم الحقيقية تكون صورة من حلم لأن شعورهم الجائع النائم مثل لهم - بدوره - هذه الأحلام. ولكنه تمثيل، ليس له تعليل وهكذا قد تاتي الصور الشعرية ممائلة لهذه الصور الوهمية، صورة أو صوراً تتتالى، يحدوها وهم لا حقيقة له، ولا يمازجها شيء من الشعور؛ ولكنك تتلوها وتتلوها، فيخيل اليك أنك دخلت في عالم جديد تلمس فيه هذه الصور، فترى بعينيك ما يجب أن يرى وتسمع بأذنيك ما يجب ان يسمع. وقد تستقرئ هذه الصور الوهمية، وتحس مواضع التخلخل فيها والاضطراب المنطقي والتباين العقلي، وتشعر بأن المطابقة فيها مفقودة، والتناسب معدوم. تستقرئ هذا كله وتستوضحه بأجمعه، ثم يخيل اليك ألآن هذه الصور الوهمية انما هي حقييقة، وأنها باعثة فيك ما تريد من اسباب الرضا والسرور.
وقف الشاعر (كارنور راميورد) شعره على التعبير عن مثل هذه الصور الوهمية، قد ولد في مدينة مكتظة بالمصانع تقلق آلاتها الراقدين والساهدين؛ وكان يرى - برغم ذلك -