للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نيسابور وقد سلبه قطاع الطريق ما يملكه من مال ومتاع!

ونيسابور هذه مدينة مقرورة يهرأ بردها الأجسام، ويُوسم أهلها بالجفاء والشغب والضعف والخبث وكراهة الغرباء! وفيها يقول السمعاني:

لا قدس الله نيسابور من بلد ... ما فيه من صاحب يُسلي ولا سكن

ويقول فيها المرادي:

لا تنزلن بنيسابور مغترباً ... إلا وحبلك موصول بإنسان

أولا، فلا أدب يغني ولا حسب ... يجدي ولا حرمة ترعى لإنسان

ويقول أيضاً:

قال المراديُّ قولاً غيرَ مُتهَّم ... والنصح - ما كان من ذي اللب - مقبولُ

لا تنزلنّ بنيسابور مغترباً ... إن الغريب بنيسابور مخذول

فما هو سر اختيار البديع لها بالذات؟ وقد كان له في غيرها مَراد ومسرح. أهو حب التنقل والضرب في البلاد، للدراسة والاطلاع، واستفادة العلم والمال؟ وهو الطابع الغالب على علماء هذه العصور وأدبائها؟ أم هو القصد إلى مناضلة الخوارزمي وانتزاع صولجان الشهرة منه، حتى يقال عنه: إنه غزا النسر في وكره واقتحم على الليث عريته؟

على أن بعض المؤرخين يسوق لهذه الرحلة علة طريفة نذكرها للتفكهة: وهي أن البديع كان في مجلس الصاحب يوماً فخرج منه ما يخرج من غير المتمكن في قعدته؛ وكان خيراً له أن يعوذ بالصمت، ولكنه أراد أن يموّه على الصاحب فقال: هذا صرير التخت! فقال الصاحب: أخشى أن يكون صرير التحت!

فخجل البديع خجلاً شديداً حمله على مفارقة حضرته والخروج إلى خراسان!

ويلذ لنا أن نقول - بهذه المناسبة -: إن مجلس الصاحب - على رفعة شأنه - كثيراً ما كان مهبّاً لهذه الزعازع! وكان الصاحب لا يمنعه وقاره أن يعقب على ذلك بالنكتة البارعة والتورية اللطيفة.

فمن ذلك أن الصاحب أخذته ليلة سنةٌ من النوم، وبين يديه جماعة من الأدباء شرع أحدهم في قراءة (الصافات) واتفق أن نام أيضاً بعض الحضور، فأحدث صوتاً منكراً أيقظ الصاحب من نومه! فقال - يخاطب سمّاره - يا أصحابنا، نمنا على (والصافات) وانتبهنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>