للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من يدعون أنهم أنصار الفضيلة ففيه معنى الجريمة ومعنى الفجور وخيبة الآمال جميعاً.

وأحاط جيش فرنسا بأسوار روما وحاول مازيني وغاريبلدي ومن انضم إليهما من الأحرار الدفاع عن المدينة، وكان مازيني يشخص بنفسه إلى مركز الدفاع، يأكل أكل الجند وينام نومهم ويبث فيهم روح الفداء؛ وجاء كثير من الناس من أنحاء إيطاليا للدفاع عن الجمهورية، ومنهم الملكيون ومنهم الأدباء والكتاب، ولكن المدينة لم تقو على الحصار، ولما رأى مازيني أنها واقعة في أيدي الأعداء لا محالة استقال من منصبه.

وصمم غاريبلدي ومعه ثلاثة آلاف من رجاله على المقاومة إلى النهاية، ودعا مازيني إلى ذلك، ولكن الزعيم رأى مالا يراه ذلك الجندي المتحمس فذهب إلى مرسيليا؛ ثم لم يلبث أن انتقل إلى سويسرا، ولكن الحكومة السويسرية ضاقت بوجوده في بلادها كما فعلت من قبل وهو في أولى سني جهاده، ولذلك اتخذ مازيني سبيله إلى إنجلترا وراح يستأنف العيش فيها من جديد. وعاد إلى القلم والقرطاس يكتب ليعيش مما يكسب ولينشر مبادئه مجاهداً بالقلم بعد أن فشل جهاده بالسيف، وكأنما صارت إنجلترا موطنه الثاني، فلقد استراح إلى العيش فيها وأحبها هذه المرة أكثر مما أحبها من قبل، وكثر في المدينة العظيمة أصدقاؤه من الإنجليز ومن الفرنسيين والإيطاليين، فكانت تخفف صداقة هؤلاء عنه آلام الغربة ومصائب الزمن، تلك المصائب التي ذاق كبراها عام ١٨٥٢ بموت أمه التي ظلت حتى وفاتها تعطف أشد العطف على حركاته، وتتألم أشد الألم لما يلاقي في سبيل بلاده.

(البقية في العدد القادم)

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>