ومن ولاية تسكانيا وحدة على أساس جمهوري، وقد كاتب مازيني بعض الأحرار منذ أن فر البابا يدعوهم إلى ذلك، وبعد ذلك بنحو شهرين اتخذ طريقه إلى روما فبلغها في شهر مارس عام ١٨٤٩ وكان ذوو الرأي من أهلها قد اجتمعوا في مجلس وأعلنوا أن مازيني من مواطني روما كما نادوا بالحكم الجمهوري وطلبوا من الزعيم أن يحضر إليهم.
وقد استقبل مازيني استقبالاً عظيماً في لجهورن وهو في طريقه إلى روما، ولاقى في روما من روعة الحفاوة به والتحمس لمبادئه ما أنساه مرارة العيش فيما مر به من الأيام.
واختاره أهل روما ومعه سافي وأرملليني نواباً عن الجمهورية فتكونت منهم حكومة ثلاثية، وجمعت أزمة الحكم في الحقيقة في يد مازيني فأخذ يتأهب لتحقيق مبادئه وسرعان ما أعد للجهاد عشرة آلاف من المجاهدين.
وعاش الرئيس الجديد عيشة في غاية البساطة؛ فكان يخفض جناحه للناس جميعاً، وكان لا يضع بينه وبن أحد حجاباً فبابه مفتوح لجميع من يريدون مقابلته لا فرق بين كبير وصغير؛ وهو في الحكم كما هو في حياته الشخصية مثال للنبل والنزاهة واللطف، أكبر همه أن يعتنق الناس مبادئه فيجعلوا وحدة إيطاليا قبلتهم التي لا يرضون غيرها.
وكان يحرص مازيني أشد الحرص أن تكون جمهوريته مثالاً يحتذى، وأن تكون في أسلوبها وروحها خير داعية إلى مبادئه، لذلك ضرب للناس أحسن الأمثلة في التسامح والعدالة وحب الخير للأهلين جميعاً؛ وكذلك رأى الناس من نشاطه وإقباله على عمله ما زادهم تعلقاً بشخصه وإيماناً بمبادئه.
ولكن هذه الجمهورية لم يقدر لها أن تعيش إذ ما لبثت أن جاءتها الضربة القاضية على يد دولة ما كانت ترجو منها الجمهورية الوليدة إلا العون، دوله طالما ترنم أهلها بالحرية وأشعلوا نيران الثورات في سبيل الحرية والديمقراطية، وأعلنوا أنهم أبداً على أهبة لتعضيد كل شعب يعمل على نيل حريته، وما كانت تلك الدولة إلا فرنسا التي قضت في أمسها القريب على الملكية، وأحلت محلها الجمهورية!
لم تتورع فرنسا عن توجيه حملة حربية لإسقاط الجمهورية في روما وهي بذلك ترتكب إثماً من أكبر آثام السياسة الدولية في العصور الحديثة، وكان ذلك الإثم مضاعفاً لصدوره عن فرنسا ذاتها، وإنما تكون الجريمة من أهل الشر جريمة فحسب؛ أما مجيئها على أيدي