- إلى أزمنة وإلى غير ذلك مما يعلم الله. ما يخيل إلينا أنه مستحيل الحدوث، يمكن حدوثه، فالله قادر على كل شيء. . . انظري. . . أتصدقين أنني أستطيع أن أمسك هذه الزجاجة الفارغة وأن أقول فيها بعض كلمات ثم أسدها فإذا الزجاجة مصباح مضيء يلقي النور؟
- هذه لم يصنعها حاو، ولا نبي، فتصنعها أنت؟
- ولا أنا أصنعها. . . ولكني أسألك أين وجه الاستحالة فيها؟
- استحالتها في أن تتحول الكلمات إلى نور. . . هذا هو المحال المتعذر لأن الكلمات حروف والنور أشعة.
- وما رأيك في أن هذه الاستحالة قد ذللت واستطاع أهل السينما الناطقة أن يحولوا الكلمات والحروف والأصوات إلى أشعة ونور، بل إنهم يخزنون الصوت والضوء في أشرطة من (الباغة). . . ما رأيك؟
- هذا مفهوم ومعقول لأنهم يستعينون عليه بالآلات.
- أنت لم تقولي في البدء إن المعضلة معضلة آلات، وإنما قلت إنها مسألة استحالة طبيعية، وإنه ليس من شأن الصوت أن يتحول إلى ضوء. . . والآن، وقد رأيت أن الصوت قد تحول إلى ضوء، قلت إن ذلك تيسر بالآلات. . . وأنا أقول لك إن لكل شيخ طريقة وأدوات، فمن الناس من يستعينون بالحديد وبالمغناطيس والكهرباء يستعيرونها من الخارج، ومنهم من له عزم هو الحديد، ونزوع هو المغناطيس، وروح مؤمنة صافية هي الكهرباء؛ وقد كان عمر من هؤلاء، وقد اكتفى بهذا فانطوى له الزمان وانطوى له المكان، وهتف في المدينة فسمعه سارية وهو على حدود فارس. . . وإذا كنا نعيش في هذه الحضارة صماً بكماً عمياً فليس لنا أن نلزم السامعين الناطقين المبصرين بأن يكونوا مثلنا فلا يسمعون ولا يتكلمون ولا يرون إلا بالآلات والأدوات. . . أنا ولله الحمد نظري كامل وإن كان سمعي ناقصاً، أفإذا رأيت النملة في السقف أنكرت أنت علي أن أراها بغير منظار معظم، فإذا سمعت أنت دبيبها أنكرت أنا عليك أن تسمعيه بغير مكبر الأصوات؟ ليس هذا من حقي ولا من حقك، ولا من حق جيل الحديد والزلط الذي يريد أن ينكر على