الرأي الذي أميل إليه بأن حالات من التقي والرحمة والصفاء تحل ببعض الناس، فإذا هم ينقون من نوازع الدنيا ويسمون إلى دعاء الله فهم عندئذ ملائكة. . . يشعرون بالخير والهدى لا يراهم إلا من فتح الله عليه، وهم أنفسهم لا يهدون وإن كانوا يلهمون الهدى لمن قسم له الله أن يُلهم وأن يُهدى بنظرة منهم أو إشارة أو كلمة أو سكتة أو حركة.
- ولكن هذا الذي تقول ليس في شيء من كتب الدين.
- وليس في كتب الدين حديث عن الألغام الممغطسة، وليس في كتب الدين ذكر التلفزيون. ولا تنس أن كثيراً من كتب الدين أحرق بعد سقوط بغداد، وأن ديننا إسلام وتفكير وتدبر، وللمجتهد المخفق فيه ثواب، وللمصيب ثوابان، والله يعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسه. . . وإني سألته التوفيق فلا تقفي في طريقي، أو فمدي لي يد العون يكن لك عند الله الجزاء. . . أو تعرفين أنت الملائك والجن؟
- لا، وإنما أرى وصفك الملائك كأنه الشعر، وأرى وصفك الجن يمكن أن يطبق على ناس كثيرين جداً هم الذين ينصرفون بكيانهم كله إلى هدف ما، ومن هؤلاء من هم خيرون، ومنهم من هم أشرار.
- إني لا أستطيع أن أدافع عن رأيي في الملائك بأكثر مما قلت إلا أن أزيد أني أراك كالملائكة أحياناً. . .
- إذن فرأيك صحيح. . .
- وأما الجن، فلا تتصوري أن وصفي إياهم يمكن أن يطبق على ناس كثيرين جداً كما تقولين، فليس من الميسور للكثيرين أن ينصرفوا بكيانهم كله إلى محبوب واحد يجنون به، ويستولي على جماعهم. . . وإنما أغلب الناس بل جلهم يتشتتون وتتوزع اتجاهاتهم ورغباتهم وأهواؤهم، وينزعون إلى الائتناس بغيرهم كلما استوحشت أنفسهم أهواءهم ورغباتهم واتجاهاتهم.
- ومع هذا القيد فإني لا زلت أستطيع أن أعتبر الإنسان العبقري المنصرف إلى فنه من الجن. . .
- إذا كان لا يأنس بغير فنه، وإذا كان لا يستوحش فنه مطلقاً، وإذا كان لا يشغله غير الفن شاغل. . . وكلما قل فيه هذا كان أقرب إلى الناس.