في ذلك الجامع. ثم هبطنا من حيث صعدنا فدخلنا إلى جامع واسع فيه مصلّى كبير تحيط به ثلاثة أروقة كبيرة، رواقان مستطيلان عن جانبي القبلة ورواق إلى الشمال كبير يفضي إلى باب المسجد الأماميّ وقد ألفيت المسجد أوسع واجمل مما حسبت قبلاً.
وسرنا في الرواق الذي إلى يسار القبلة إلى حجرة، وتقدم شيخ وقور هو إمام المسجد ففتح الَغلَق عن باب يؤدي إلى حجرة تفضي إلى حجرة أخرى فيها الكتب.
سمعت من قبل أن هذه الخزانة أغلقت أربعين عاماً ثم فتحت وقد فعلت الأرضة فعلها بالكتب فأتلفت كثيراً منها. ورأيت بقية الأرضة والإهمال من هذه الكتب مكدسة في رفوفها لا يدرى ما فيها. ولعل فيها من نفائس الكتب ما نتفقده في دور الكتب فلا نجده، أو ما نحن في حاجة إليه شديدة لتصحيح ما لدينا من الكتب المخطوطة. ولست أدري على من تقع التبعة فيما أصاب هذه الأسفار من التلف وما هي فيه من ضياع. إن أسرة الشيخ إبراهيم باشا الذي أسس هذا المسجد أسرة عريقة في البرِّ لها أياد على العلم والعلماء. وكانت دورهم مقصد رجال العلم من مصر وغيرها. وكان هذا الجامع معهداً في الإسكندرية قبل إنشاء المعهد الديني التابع للأزهر. فلماذا ترك الخلَف من هذه الأسرة سنن السلف وأهملوا آثار آبائهم؟ وإن كان لوزارة الأوقاف إشراف على هذا الجامع فعليها تبعة عظيمة، وعليها أن تستولي على المسجد ومكتبته أو تلزم القائمين عليهما أن يحسنا القيام.
لعل كلمتي هذه لا تذهب سدى بين الأوقاف وأسرة الشيخ إبراهيم باشا.
تركنا الجامع إلى مكتبة الإسكندرية في دار موصيري. وهناك لقينا الأخ الأديب الشيخ بشير الشندي، فأنسنا به وأفدنا من حديثه عن الكتب، وعن آثار الإسكندرية. وقد أطلعنا على رحلة ابن رشيد التي ذكرتها في المقال السابق. وفي المكتبة منها الجزء الثالث وهو المتضمن وصف مصر. وهو منقول عن نسخة في الأسكوريال. وهذه الرحلة ذات جدوى كبيرة في تاريخ مصر ولا سيما الإسكندرية، وهي جديرة بالعناية والنشر.
وكان من حديث الأخ بشير أن قال: أسمعتم عن بئر مسعود؟ قلنا: نعم هو على ساحل سيدي بشر. قال: لكن مسعود الذي أضيفت إليه البئر؟ قلنا: لا ندري. قال: عندي حديث عنه لا تجدونه في الكتب. كان شيخنا الشيخ عبد الفتاح شريف والشيخ جاد الحق يذهبان إلى تلك الجهة للرياضة والدرس وكنت أذهب معهما؛ وكان الشيخان ومن يصحبهما