للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أناشيد المرحوم الشيخ سلامة حجازي على ما فيها من قسوة وجبروت، فكان ينال إعجاب الناس، وسمعه بعد ذلك المرحوم أحمد شوقي بك فطرب له فاحتضنه وتبناه وقدمه لأصفيائه وللبيئة التي كان يعيش فيها وهي بيئة الأمراء والكبراء فكان عبد الوهاب يغنيهم من محفوظاته وكان عليهم ن يستحسنوا غناءه؛ فلما مات سيد درويش فوجئ الجمهور بعبد الوهاب الملحن الموسيقار، وكانت المفاجأة بالطريقة التي أريد أنا أن أفاجأ الجمهور بها ومنذ ذلك الحين بدأ عبد الوهاب يتعثر إذ عدل عن الموهبة التي خلقها الله له إلى ما لم يسمح الله له به. على أنه كان غالباً ما ينجح إذا غنى المواليا، ذلك أنها غناء مصري للقاهرة، فيه أسلوب خاص تأثر به عبد الوهاب كل التأثر منذ صباه، وقد سلمت بعض قصائده من التنافر والتخبط لكثرة ما غنى في ماضيه للمرحومين: الشيخ سلامة حجازي، والشيخ أبو العلا محمد؛ أما ما عدا ذلك من الأغاني، فعبد الوهاب يعاني الأمرين في غير شك في صوغه. وقد كان المرحوم شوقي بك يغربل له موسيقاه فلما مات لم يعد عبد الوهاب يسمح لأحد بأن يكون له في موسيقاه رأي إلا السجود لها ولا أقل.

- يا شيخ! لا تكن ظالماً.

- لست أظلمه. ولو أنصف عبد الوهاب لظل كما كان مغنياً يغني لغيره ممن يستطيعون التلحين، أو أن يكون مغنياً بلدياً كغيره من أولاد البلد الفنانين البارزين، وليس هذا عيباً، وليس فيه حطة، فالناس كلهم أو أغلبهم مجمعون على استحسانه في المواليا، وفي القصائد قبل أن يفرنجها. . . أليست (يا جارة الوادي) خيراً من (الجندول)؟ ولكنه أصيب بما في رأسه، وهو لا يريد مطلقاً أن يذكر الجمالية، ولا يأب الشعرية، ولا (حوانيت الترزية. . .) مع أنه أنفق حياته الأولى في هذه. . . وهو فنان، والفنان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغفل ماضيه. . . وإن حياة الفنان الأولى التي قضاها وهو بعيد كل البعد عن التفكير في مشاغل الدنيا وأرباحها وخسائره لهي المعين من الفن الذي لا ينصب. . . وإنها أصدق ما يمكن أن يبرزه من الفن، وأصفى ما يمكن أن يطالع به الناس من عواطفه وخلجات روحه. أليس كتاب (الأيام) هو أروع ما أخرجه الدكتور طه حسين بك. وأي شيء في كتاب (الأيام) غير قسط ظاهر من الصدق. . . إن الدكتور طه حسين قد تحول اليوم إلى إنسان آخر غير الطفل بطل الأيام. . . وهذا الإنسان الآخر له مجد وله مكانة وله شهرة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>