لم يقم دليل عليه كما لم يقم دليل على بطلانه، ومع ذلك فهو صاحب كتاب العقود الذي لم نعثر عليه لنتبيّن غاية ما بلغه من التقدم في أعمال ما زالت أهم ما يقابل المهندس عند تصميم القناطر والخزانات والأبنية الكبيرة.
ولسنا نغض بهذا من شأن ابن الهيثم كمهندس وهو الذي بين تصانيفه كتب عديدة تمت إلى علم الهندسة وتبحث في علم المساحة والتخطيط، وقد ذكر الكثير منها الدكتور مشرفة بك، وأضيف إلى ما ذكره كتاب العقود، وكتاب أصول المساحة، واستخراج أربعة خطوط، وحساب الخطين، وحلل الحساب الهندسي، ومسألته في المساحة وغيرها.
نرى هل خرج ابن الهيثم من مجال التأليف إلى مجال الإنشاء؟ يغلب على ظننا ذلك، وقد يدلنا التاريخ أو البحث يوماً عن آثار له في هذا، فإن شهرته كمهندس بلغت من الذيوع والانتشار ما جعل الحاكم صاحب مصر من العلويين يتوق إلى رؤيته، وقد نقل له عن ابن الهيثم أنه قال:(لو كنت في مصر لعملت في نيلها عملاً يحصل منه النفع في كل حالة من حالاته من زيادة ونقص، فقد بلغني أنه ينحدر من موضع عال وهو طرف الإقليم المصري) فازداد الحاكم شوقاً إليه وأرسل في طلبه ورغَّبَه في الحضور؛ فشّدَّ ابن الهيثم رحاله إلى مصر ولما بلغها خرج الحاكم للقائه على باب القاهرة وأمر بإكرامه، وطالبه بما وعد به من أمر النيل؛ فسار ومعه جماعة من الصناع ليستعين بهم على ما خطر له، فلما جال الإقليم بطوله وتبين آثار الأقدمين، وهي تعد بدعة في الصناعة وآية في الهندسة، تحقق أن الذي يقصد إليه خارج عن طوقه، فإن من تقدموه لم يكن ليغيب عنهم على ما يعلم ولو أمكن لفعلوا، ففترت همته، ووهنت عزيمته، ووصل إلى موضوع الشلالات بعد أسوان وعاينه واختبره فوجد أنه يختلف عما كان قد فكر فيه، وتحقق الخطأ فيما وعد به واعتذر للحاكم.
وليست هذه الواقعة التي سردها بعض المؤلفين لتُقلل من شأن الرجل العالم الذي نحتفل بذكراه، ففي بناء هيكل المعرفة خطا ابن الهيثم المهندس البصري الخطوة الكبرى إلى الأمام، وكان ممن وضعوا حجراً أساسياً في العلوم نتوارثه جيلاً بعد جيل.
جيل يتلو جيلاً، جيل يتَصرَّم ويحل جيل، وطوى الزمن تسعمائة عام على هذا العالم، تغيَّر خلالها وجه الأرض، وحلت مدنية تختلف عما تقدمها من مدنيات، وعصر لا يشبه ما خلا