من عصور، وألفينا أنفسنا أمام صورة جديدة للفن الهندسي ارتبط بالتقدم العلمي ارتباطاً وثيقاً وتفرَّعت الهندسة في غير العمارة إلى هندسة آلية وكهربائية بل وموجية، وأثَّر هذا في مقدرتنا على العمل وأثرنا في الإنتاج، ولو أننا نظرنا إلى أحد هذه الفروع وإلى الهندسة الموجية لوجدنا أننا وصلنا إلى نتائج تستوجب النظر.
أولاً: في الانتشار الصوتي وعلى مَتنِ الأسلاك يستطيع أن يتخاطب بالتليفون مئات الأشخاص أو أكثر على سلك نحاسي واحد في وقت واحد، أمر يحدث اليوم بين العواصم الكبيرة. أذكر على سبيل المثال الخط بين لندرة وبرمنجهام، حيث يتكلم على سلكين للمخاطبات التليفونية وُضِعَ بجانبهما سلكان للتوسع المنتظر في استعمال التليفيزيون حوالي ٣٥٠ شخصاً في آن واحد، ويفهم كل منهم أخاه دون أن تختلط هذه الأصوات العديدة. بل أُرجع السامع إلى محاضرات فورتيسكيو أستاذ جامعة لندن عند زيارته لكلية الهندسة العام الماضي بدعوة من العميد، بل أُحِيلُه إلى ظواهر يعرفها منذ عدة سنين كل الذين شغلوا أنفسهم في المختبرات بظاهرة الانتخاب في الظواهر الدورية.
ثانياً، في الانتشار الموجي والتبادل الضوئي الكهربائي استطاع الإنسان أن ينقل الصور الفوتوغرافية إلى مسافات بعيدة، دون استعمال الأسلاك، وكان تطبيق ذلك في نقل الرسائل في الصين بلغتهم المعروفة بحروفها العديدة مما يدعو للإعجاب، وهو الإعجاب الذي استولى على كل منا عندما طالعنا من أربعة أيام في الصحف كيف نقلت باللاسلكي الصور الفوتوغرافية للحوادث البحرية التي جرت في الأورجواي، وهي الحوادث الخاصة بالبارجة (فون شبيه) وكيف رأى البرلينيون صورها ولم يمر على أخذ الصور التي يبعد مكانها عنهم بنصف محيط الأرض إلا كسر ضئيل من الثانية.
ثالثاً: في الانتشار الكهربائي استطاع الإنسان بغير أسلاك أن يسمع الأصوات ويتكلم على مسافات بعيدة تبلغ محيط الأرض بل استطاع أخيراً أن يرى عن بعد الأشياء المتحركة كما لو كانت أمامه.
هذا ما حدث من الهندسة التطبيقية، ولقد كانت خطوات العلوم البحتة أوسع بكثير من هذه، وجرى العلم الحديث شوطاً لم تستطع الهندسة التطبيقية أن تلاصقه فيه: ثمة اكتشافان عظيمان، النشاط الإشعاعي والتفتت الذري. تُرى ماذا سيحدثه الإنسان الدائب التفكير