الموفور الذكاء في أثرهما من تطبيقات تنشأ عنها مدنية تختلف عن مدنيتنا جدَّ الاختلاف بل تختلف عن كل ما عهدناه من مدنيات.
أو يصبح عصر الكمّ والنسبية والموجية الذي نعيش فيه بداية لعصر أعظم شأواً وأهم قدراً وأعجب في الحوادث؟
إنما يلزم لذلك أناس أذكياء تعودوا الإقامة في المختبرات والتردد على دور الكتب؛ هؤلاء الذين أسميهم أنصار الإنسان موجودون وموجودون دائماً.
عند ذلك يختلف العهد، وينظر اللاحقون لنا نظرة جيلنا لزمان ابن الهيثم. ومع ذلك وبعد الذي ذكرناه لا يجوز لنا أن نذهب في المبالغة شوطاً بعيداً لما حدث بعد عهده، فإن المواد ما زالت تُستعمل في عصرنا على النحو الذي عرفه ابن الهيثم، بل إن هندسة أقليدس القديمة ونظرياته الأربع والعشرين المعروفة التي كانت حجر الزاوية لكل معارفنا الحالية هي الهندسة ذاتها التي تعلمها ابن الهيثم وعرفها وجدد فيها ونقلها قوية مجددة للأجيال التي تلته.
إن الخط المستقيم والدائرة والمثلث وعلم الهندسة وعلم المساحة وما يتعلق بكل هذا من نظريات كان لازماً لنستمتع بما نستمتع به اليوم، وكان من اللازم وجود أمثال ابن الهيثم ليرى الإنسان بعده جاليليه ونيوتن وإلا صادف عصراً بدائياً لا يصلح للتجديد.
نعم إن المعارف القديمة لم تعد تقدم لنا صورة صحيحة لهذا الكون، وقد غدت لدينا صورة جديدة تغاير تلك الصورة البسيطة التي عللها لنا الأولون بقوانين بسيطة سواء في الميكانيكا أو الطبيعة ولا يزال الجامعيون يشهدون يوماً بعد يوم انقلابات في التفكير، ويقفون على أوصاف للكون أدق من صورته التي عهدناها حتى عصر ابن الهيثم، بل عصر جاليليه ونيوتن؛ فلا مادة بالمعنى القديم، بل إن المادة جسيمات صغيرة في حركة دائمة، وفي هذا الكون المتكون من هذه الدقائق المتحركة لا ضوء هناك ولا لون ولا صوت، وكل هذه مظاهر لا تختلف إلا بعدد في الذبذبات والتردد، والذي نسميه مادة أو ضوء ما هو إلا كهرباء، بل لا فارق بين الطاقة والمادة، ويمكن القول اليوم إنهما تمُتَّان إلى أصل واحد، بل إن المادة ذاتها كهرباء والكهرباء مادة.
أجل. إن قوانين هذا العالم المضطرب باتت تختلف وفق صورته الجديدة اختلافاً كبيراً عن