القوانين القديمة التي لم يظهر أنها صحيحة إلا لأنها متوسطات للقوانين الحقيقية للعالم، وقد تعدى هذا الاختلاف في فهمنا لظواهر العالم كل شيء، حتى إن القوانين العادية الخاصة بالزمن والحيز اللذين يحكمان العالم باتت تختلف عن التي تعلمناها في المدارس، والحيز الذي اعتدنا أن نتصور فيه طوبة أمحوتب هو حيز معوج، والمثلث الذي جرينا على اعتبار أن مجموع زواياه يساوي قائمتين هو في الواقع ليس كذلك، والخط الذي اعتدنا اعتباره مستقيماً يلتف من النهاية حول نفسه، والكون الذي اعتبرناه لا نهائياً هو في الحقيقة محدود، بل إن الزمن ذاته يحمل في طياته أغرب القضايا التي تفتقر إلى المعرفة والتعيين.
نعم قد حدث هذا كله، ووصلنا إلى نوع جديد من التفكير والتطور، ترى ماذا سيكون من أثر المعارف الجديدة في الإنسان القادم؟ ومع ذلك فإن هذا النوع من التفكير قد وصل به الإنسان إلى ما وصل إليه لأن البناء كان صالحاً، كل هذا ترتب على هذا النحو لأن المعرفة القديمة كانت عظيمة الأثر، ولأن ثمة رجالاً كابن الهيثم زرعوا فحصدنا ونزرع اليوم ليحصد الغير.
في كثير من المحاضرات نشيد بذكر العلماء الحديثين الذين يساهمون في تشييد صرح العلوم، وقد توجهنا فيما كتبنا هذا العام بمثل هذه التحية لكثير منهم أمثل بلانك وبيران ودي بروي، وجدير بنا ولا ريب أن نحيي في هذه القاعة أولئك الأعلام الذي وضعوا أساس الصرح. لهذا أتقدم في ختام هذه الكلمة بالتحية والإجلال لابن الهيثم، ولست أيأس من أن يقدره مجلس الجامعة قدره فيقرر إطلاق اسمه على إحدى درجات كلية العلوم.
لشد ما يتزايد الميراث العلمي، ولشد ما يشتغل أنصر الإنسان!
في مزاد للكتب كان في القاهرة هذا الأسبوع تصفَّحت الكراسة التي تحوي أسماء الكتب والمؤلفين فإذا بها ما يزيد على عشرين ألف مجلد في الأدب، إنما لفت نظري العدد الكبير من الأسفار للمؤلف الواحد، وقلت في نفسي: من أين الوقت لإخراج هذا الميراث، فلكليمنسو ١١ مؤلفاً من هذه المكتبة الخاصة، ولديهامل ٢٨، وللكاتب موروا ٢٤ ولغيرهم الكثير؛ ولما رأيت أن لابن الهيثم ما يربو على السبعين سفراً، وأن من بينها ماله القيمة التي ذكرها إخواني، أدركت حقاً أننا بصدد عالم كبير جدير بهذا الاجتماع العظيم.