للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأحمر المجزع بالبياض، وهذه خزانة البلور التي حفلت بقطع النفائس التي يتأنق عزيز في اقتنائها، وهذه مائدة الرخام المستديرة عليها طاقة الورد الصناعي، وهذه الرسوم المعلقة التي أعرفها وتعرفني، وأحسن ما فيها صورة سلمى الزيتية متقنة كل الإتقان أم صورة عزيز ففيها سطور غامضة والنور منعكس عليها من فوق بينما وجب على الرسام أن يعكسه عن اليمين، وطالما تناقشنا في هذا الرسم وبحثنا في نظرية النور والمنظر. وهذا صندوق اللفائف مصنوعاً من الآبنوس الملبس بالأصداف أتناول منه واحدة أشعلها وأقف أمام النافذة المطلة على المحمودية أنظر مياهها الكدرة المتدفقة إذ كنا في أول سبتمبر وفيضان النيل على أشده.

نعم لا أزال أفكر في هذا كله كأني أراه الآن ماثلاً أمام عيني. ثم طال انتظاري فقرعت الجرس وجاءت الخادمة، فقلت لها: أين الجماعة؟. . . فأجابت: إن سيدتي ترتدي ثيابها، وأما الأستاذ فقد ذهب منذ هنيهة. ثم نظرت إلى الخادمة نظرة لم أرتح لها. وما هي إلا ثوان معدودة حتى جاءت سلمى يموج جسمه في دثار ياباني قد التفت به حاسرة عن ذراعيها وصدرها. وقد صففت شعرها وعقصته بمشط لين العاج قد انتظمت على حافته حجارة مبرقة، وأصلحت من شأنها في كثير من الاختصار والانسجام. فما أن رأتني حتى مدت إليّ يدها مصافحة، وقالت وهي تبتسم عن مثل اللآلئ صفاء: عفواً لقد جرى ما لم يكن في حسابي، فإن عزيزاً قد استدعي فجأة لأمر هام وهو يأسف لأنه لا يعود قبل الساعة الثامنة. وقد أوصاني أن أحتبسك حتى عودته لنصل جلسة بعد الظهر بالسهرة. . .

ولم أجد رابة في هذا كله بل وجدته طبيعياً وقلت لها: لعلك لولا حضوري كنت تخرجين مساءً. قالت: لا وحقك إني متعبة فاجلس نثرثر قليلاً. . .

وأخذنا في حديث عن الفيضان والبعوض، وكانت سلمى تقول إنها لم تعد تطيق السكنى في هذا المنزل وإنها سوف تنتقل إلى ضاحية الرمل حيث أكثر الأصدقاء والمعارف، ثم اندفعت في امتداح ضاحية الرمل بينما كانت الخادمة تحضر مائدة الشاي، فأصبت كوباً منه وأكلت قطعة من الحلوى، وقدمت إلى سلمى لفافة من التبغ شرعت في تدخينها، وقد قامت وقعدت مراراً تستحضر إما منديلاً أو صحفة أو ملعقة، ورأيت في تثنيها شيئاً من التصنيع والارتباك، ثم نادت الخادمة وقالت لها: إنه يمكنها الانصراف على أن تكون في المنزل في

<<  <  ج:
ص:  >  >>