للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإماء. فرأيتني في موقف مدهش يقتضي بتّاً سريعاً: إما الخيانة ومسايرتها أو القطيعة والجفاء. وكان دمي يفور ويغلي والعرق يتصبب مني ولا أعرف كيف ولا لماذا قلت لها:

- إياك أن يغمى عليك فإني حينئذ أستدعي لك الإسعاف.

ولا شك أنها سمعت كلامي ولم تأبه له وحسبت أكبر حساب لغريزة الرجل فأصرت على إغمائها، وتلطفت في التملص منها وتباعدت عنها ونسيت الماء والكوب والإسعاف وبقيت واقفاً حائراً، وسلمى قد فتحت دثارها وكشفت قميصها وزاد خفقان صدرها ثم أنَّت قليلاً في خفوت واختناق ثم لزمت الهدوء.

فأشعلت لفافة من التبغ وصرت أذرع الغرفة ذهاباً وإياباً وأنا لا أعي ما أطأ حتى عيل صبري. وكلما طال انتظاري وتمادت في غيبوبتها كان الغضب يطرد في صدري وتقوي عوامل الشرف والصداقة والإخلاص، حتى رأيتني واقفاً أقول:

- هذه مهزلة مألوفة وليس مثلك من يمثلها مع مثلي. ونحن أصدقاء العمر فقد أخطأ حسابك، وإذا كنت أتقنت مثل هذه المهازل فجربيها مع سواي.

وإني لأذكر تمام الذكر أن سلمى انتفضت عن مقعدها كالنمرة الضارية، ثم لمَّت دثارها والتفت به ووقفت في وجهي تلهث من الخيبة وتحدجني بلحظ يتقد غيظاً وقالت وهي تتلظى غضباً:

- أنت رجل مغفَّل.

واليوم إذ أستعيد هذه الذكريات أحاول عبثاً أن أستبين كيف مضت الأيام التي تلت هذا الحادث وكيف نزلت بي حمى شديدة استوجبت نقلي إلى المستشفى حيث قضيت أشهراً بين الموت والحياة علمت بعدها أنه لم تعدني فيها سلمى ولا زوجها. وقد فتَّت الحمى في عزيمتي وغادرتني شائب الرأس مهدوم الجسم؛ وهاأنذا اليوم بعد خمس سنين أراني قد انحدرت بي السن أشنع انحدار وتوغلت في الكهولة أيما توغل.

وفي كل هذه المدة لم تقع عيني على الأستاذ عزيز سامر ولا على زوجته سلمى، ولكنني لا أزال أذكر والأسى يملأ صدري والدمع يكاد يتفجر من مقلتي أنني كنت صديقاً حميماً للأستاذ عزيز سامر ولزوجته سلمى.

(الإسكندرية)

<<  <  ج:
ص:  >  >>