عرفت - وا أسفاه! - أنه يجمع المصادر لمقال يكتبه عني يوم أموت!
وفلان الذي صرح ألف مرة بأني شعلة من اللهب المقدَّس هو نفسه فلان الذي يرى اليوم أن أدبي من أعظم ذنوبي، وأن من الواجب أن أتوب!
أتوب؟ أتوب؟
أنا أحب أن أتوب من صحبة القلم، ولكن أين السبيل إلى المتاب؟ وهل يمكن ترك الصديق بسهولة، أيها الناس
أعطوني شيئاً من قدرتكم على نسيان حقوق الأصدقاء، لأتناسى حقوق قلمي!
علِّموني كيف أغدر وكيف أخون، لأستطيع التمرد على عقلي وبياني!. . .
خذوني إليكم، أيها الساخرون من صولة العلم والحق، لأخلُص من صحبة العلم والحق!
خذوني إليكم في ملاعبكم وملاهيكم، عساني أنسي جاذبية البؤس في صحبة قلي وكتابي!
لقد أفلحتم في زعزعة اليقين الذي كنت أفزع إليه حين تكثرني صروف الزمان، فأين أنتم لأشكو إليكم ما جنَتْ أيديكم؟ وأين السبيل إلى ترميم البناء الذي كنت أستظل به من قبل أن أنخدع بالبريق الذي أزغتم به فؤادي؟
أين؟ أين؟
أتذكر الآن كتاب لامرتين عن سِفر أيوب
فقد صْرح بأن الدنيا لو دُكتْ صروحها وذهب ما فيها من روائع الفنون والآداب ولم يبق غير سِفر أيوب، لكان كافياً في تسجيل ما تعاني الإنسانية من معاطب وحتوف.
وهل عانى أيوب في زمانه بعض ما عانيت في زماني؟
أيوب فقد الثروة والعافية ولم يفقد اليقين!
وأنا فقدت الثروة والعافية واليقين. أضاع الله من أضاعوني!
وأيوب استطاع أن يعاتب ربه بقصيد رنّان وهو في أمان من ثورة الجمهور، فظفر بالخلود في عالم الفكر والبيان.
وأنا لا أملك معاتبة ربي بسطر واحد خوفاً من رئيس التحرير، وخوفاً من شيخ الأزهر، وخوفاً من محكمة الجنايات وخوفاً من نميمة الأسلوب!!!
وأين فجيعة أيوب في دنياه من فجيعتي في دنياي؟