كان الدينار لعهد أيوب يُموِّن الرجل شهراً أو شهرين، وأنا في عهد يهان فيه الرجل أن أكتفي بالدينار يوماً أو يومين، فمن يُسلطني على دهري فأسجل رزاياه على نحو ما صنع أيوب؟
وكانت الأرض لعهد أيوب بلا رسوم ولا حدود، فكان المجاهد ينال منها ما يشاء كيف يشاء، وهي اليوم مقسمة تقسيماً يصدّ المجاهدين أعنف الصدود.
وكانت البحار لعهد أيوب مصادر خيرات، وهي اليوم مواقع ألغام ومسارب غواصات.
وكانت السماء لعهد أيوب مساقط غيث ومذاهب نسيم، وهي اليوم معارج طائرات ومصادر خطوب.
وكان النمام لعهد أيوب يؤلب عليه رجلاً أو رجلين أو بضعة رجال، لأن النمام لم يكن يملك غير سفاهة اللسان، أما النمام في هذا العهد فيستطيع أن يؤذيني بمقال في جريدة أو مجلة يقرأها ألوف أو ملايين، ويذهب شرها إلى من أعرف ومن أجهل في المشرق والمغرب.
وكان قوم أيوب يعدون بالألوف، أما قومي فيعدون بالملايين فبلواي بالخصومات أعرض من بلواه.
وكان لأيوب أعداء وأصدقاء، أما أنا، فلي أعداء وليس لي أصدقاء.
وكان أيوب نبياً تهابه الأرض وتؤيده السماء، أما أنا فكاتب من الكتاب تنفر منه الملائكة ويأتمر به الشياطين.
وصارت ثورة أيوب على بلاياه لحناً خالداً يُرتل في الكنائس والصوامع، أما ثورتي على زماني فستضاف إلى الأدب الحزين الذي لا يقام له ميزان.
ومع ذلك كان حزنه أهلاً للحمد، وصار حزني أهلاً للملام!
أيوب!
اسمع كلمتي، أيها الزميل في الأحزان!
إن النبوة عصمتْك من كيد الخاتلين والحاقدين، فلم نذق طعم الإيذاء في سبيل الحزن النبيل، والله الذي لم يولني شرف العصمة أولاني شرف إيذاء في سبيل الحزن النبيل.
فأين مكانك من مكاني، مع أني عبد مذنب وأنت نبيّ معصوم من الذنوب؟