كانت المدائن لعهدك لا تملك من المصابيح ما يشغل بصرك عن نجوم السماء، أما المدائن لعهدي فتعرف المصابيح في النهار قبل أن تعرفها في الليل، ومع ذلك لم تشغل بصري عن نجوم السماء
وكانت الدنيا لعهدك لا تعرف الضجيج، فكانت تملك الخلوة إلى خواطر قلبك
والدنيا لعهدي كلها ضجيج وأزيز وهدير، وأنا مع ذلك أخلو إلى قلبي وأدرس ما فيه من عناصر الوسواس والأحلام والأضاليل
فأن لقيت ربك وفي يمينك كتاب النبوة فسألقي ربي وفي يميني كتاب المحنة بوطني وزماني
فيا نبي الله، كيف تسبقني إلى رحمة الله وأنا أفقر أتليها منك، وأن كنت أحق بها مني؟
أيوب!
أنت تألمت وتوجعت لأن الوباء كان أغتال إبلك وغَنَمك فكيف ألام على التألم والتوجع وقد أهلك الطاعون أصدقائي وأحبابي؟
أيوب!
هل تعرف أني أملك من العزاء ما لم تكن تملك؟
فلو أنك قرأت تاريخ المسيح كما قرأتُ لخّفت مصيبتك وهانت بلواك
المسيحُ، يا أيوب، قد اكتوى بنار حامية هي غدر الصديق.
وقد صارت قُبلة يهوذا مثلاً سائراً في التاريخ، فهل تعرف كيف تكون القبلة شارة الحتف، وهي في الأصل لغة القلب؟
وأنا قرأت من تاريخ محمد ما لم تقرأ، يا أيوب، فقد لقي كثيراً من كيد المنافقين من الأصدقاء
فهل تظن مع هذه الشواهد أنك أجدر مني بالصدارة بين البائسين واليائسين؟
أنت على ما عانيتَ لم تعرف خيانة الصاحب ولا غدر الصديق، ولم تشهد كيف تُعدُّ حسناتك سيئات، ولم تقاس نمائم الأصحاب ولا (وشاية الأسلوب) ولعل الله كان رعاك فلم تر شخصاً تحسن إليه ويسئ إليك
فكيف تسبقني إلى رحمة الله، يا أيوب؟