الإنساني الجليل الذي خلقت من أجله الحياة على الأرض! وعلى ذلك لا تكون النفس حية أبداً إلا وهي سائرة بالحياة في مسبعة من الموت، يتخطفها كل شئ حتى الأسباب التي يستوجب بها الحي صفة الحياة! إذن ما أعجب الحياة
وإذن فقد فرت مني المعاني التي أحمل نفسي الآن على علاجها، واستجهلتني الآلام في عواصفها حتى ذهبت هذا المذهب المزين من القول لأقدم به الكلام في هذا الباب الذي عقده (الزيات) للأدب، ومع ذلك فإني لأرى الصلة التي تصل أصل هذا الباب بالأصل الذي في نفسي، فإن تتبع (الظواهر الأدبية) ينبغي أن توفر له أسباب الاستقرار النفسي حتى يستطيع الكاتب أن يجمع إليه المعاني ويضرب عليها الحصار حتى يفندها أو ينقدها أو يحصيها أو يبين عن غامضها أو يكشف أستارها أو يقدم لها بالنظر والفكر والتوهم - ما يوجب بعض النتائج التي تفضي به الآراء إليها، وذلك يمكنه أن يوجد للأدب ميداناً تستعرض فيه أعماله التي يدأب الأدباء والكتاب والشعراء وأصحاب الرأي في صنعها وتجويدها. فإذا تناول هذا الأمر بالنفس التي لا تستقر ولا تهدأ كان عمله أقرب إلى الثورة - أي إلى الفوضى - من حيث يريد أن ينظم، ومع ذلك فإن الخير كل الخير أن نحاول الحياة كما تحاولنا بالاقتسار والعنف، وأن نقبل عليها وهي مدبرة بالبرهان على إمكان احتمالها جافية كانت أو ناعمة، ومؤلمة كانت أو مريحة، ومنصفة كانت أو باغية، وأن نأخذها من حيث نرى الرأي أنه هو أجدى وأنفع، وأيضاً فإن المصدر الحي للأدب إنما هو النفس، فهو يصدر عنها موسوماً بسمتها، أما مستقرة هادئة مفكرة في جو من الراحة، وأما ثائرة لماحة متخطفة في مسبح الأحلام والآلام والأماني المعذبة بالحرمان، فليس إذن من المنكر أن ينصب امرؤ لا تهدأ نفسه لمثل هذا الباب الذي وصفناه وأن يتناول هذا الأدب بما يتداوله من الإحساس المشبوب والنظر الخاطف والرأي العنيف أو أي ذلك كان
وأحب أن أعهد قبل أن أتكلم، فإني رأيت الأدباء قد أكل بعضهم بعضاً بألسنة كظهر المبرد، وتشاحنوا بينهم للكلمة التي لا ترفع ولا تضع، وتنابذوا على الأهواء الغالبة المستكلبة، ومن كان ذلك هجيراه ودأبه، فهو عند النقد أو الاعتراض كالوحش المجوع الغرثان قد أجهض عن أشلاء فريسته، يكاد ينقد عليه إهابه من الغيظ والحقد والرغبة في الإيقاع بمن يصرفه عن أحلام معدته. وهذا أسوأ الخلق وأبعده عن صريح نهج الأدب،