وأقله غناء في تهذيب الأديب، وما أظن أن في الدنيا العاقلة أديباً تخيل له أوهام (العبقرية) للطائفة به أنه قد سبق السهو والخطأ وبقي النقد والنقاد لقي وراءه يتلوذون بظلاله - في طلب البركة! ومع ذلك فأن بعض من عناه القدر فرمى به في غيل الأدب العربي يتصيد،. . . يقتات من أوهام العبقرية حتى حبط بوهمه في نفسه، واستكرش ونفش بما أكل حتى تضلع، ثم استلقى على الأفياء يتخيل أن الأدب كله قد وقف عليه من عند قدمه إلى رأسه يهدهده حتى ينام في ظلال الملك الهنيء. ومن كان هذا مثاله من الأدباء، وعرضنا لبعض قوله بالنقد، فلا يتخيلن أنَّا نعنيه هو بذاته - فهو موفور الأحلام على نفسه أن شاء الله - وإنما نعرض للقول على أنه كلام مقول يقع فيه السهو والخطأ، وتتعاوره الصحة كما يتعاوره السقم، وأنه كلام مصبوب على الناس وعلى أسماعهم وأذهانهم، فنحن بنقدنا كلامه، إياهم نريد، وإياهم نخاطب، وعسى بعد أن يكون له في هدأة من نفسه رأي يتابعنا به إن أصبنا أو يسددنا ببيانه إن أخطأنا، وما نألو في الاجتهاد، ولكن ربما حرم الإنسان التوفيق فيما يأتي وما يذر
هذه واحدة فيما نبدأ به؛ أما ما يقع بين الأدباء من المجادلات والمنافرات، فحقها من هذا الباب التسجيل، فإن بقي لنا في القول مقال نقوله - نتعقب به الأصل الذي يقع عليه الاختلاف والتنافر - لم نقصر في تحقيق البيان وتحريره، متعاونين في جعل الحقيقة أسرع إلى إثبات وجودها والدلالة على نفسها حتى تتجلى
وأما الشعر والشعراء وما يلوذ بهما، فأنا حين أغمض عيني لأجمع عليّ خيالي ورأيي وفكري، أنتهي إلى مثل الغيبوبة من الحسرة واللهفة والألم. فقد فرغ الشعر من بيانه ومعانية ومعارضه الفاتنة، ووقع إلينا أوزاناً تتخلَّج بما تحمل تخلج المجنون في الأرض الوحلة، وما أظنه يعتصم في هذه الأيام إلا بشاعرين أو ثلاثة، ولكل منهم مذهب، وكل قد قذفت به الحياة في مهنتها وابتذالها حتى صار أكثر فراغه مستهلكاً على صناعة أو وظيفة تطعمه العيش وتحرمه لذته، ومع ذلك فهم يقولون ويتكلمون والسامعون ينصرفون عنهم لسوء رأيهم في الشعر الحاضر أول، ثم لكثرة ما يسمعون من كلام لا يحرك عاطفة لأنه لا يصدر عن عاطفة، وما يزال ذلك يتوالى عليهم، حتى أنهمك لا يكادون يعرفون السعر إلا هكذا ثقيلاً غثاً بارداً، فكيف لا ينصرفون عنه، ومن ذا الذي يرضى أن يحمل نفسه إلى