(ثلاجة) وهو يعد في العقلاء. فكذلك ضاع شعر هؤلاء الثلاثة في غثاثة الكثرة، ثم فترت أنفسهم ولا تزال تفتر - إلا أن يشاء الله - لما يجدون من غفلة السامعين عنهم، وليس كلهم يستطيع أن يقول كما قال صاحبهم الأول:
لم يَبْقَ من جُلِّ هذا الناس باقيةٌ ... ينالها الفَهْمُ إلاّ هذه الصُّوَرُ
أهزُّ بالشِّعر أقواماً ذوي وَسَن ... في الجهل، لو ضُربوا بالسيف ما شعروا
عليَّ نَحْتُ القوافي من مَقَاطِعها ... وما عليَّ لَهُم أن تَفْهَم البَقَرُ
وكذلك نخشى أن يأتي على الناس زمان يضيع فيه الشعر الجيد أو يرفع حتى من صدور هؤلاء الثلاثة. ولست أدري الآن كيف يتاح لي أن أنهج مع الشعر والشعراء نهجاً يكون رضي ومقنعاً وباعثاً على تجويد الأساليب والمعاني حتى ينقذ الشعراء فنهم من الضياع؟ فلتدع هذا إلى حينه، والى رأي الشعراء في (مطالبهم)، فقد صار لكل أصحاب صناعة مطالب وحقوق - حتى النساء، فكيف لا يعرف الشعراء مطالبهم وحقوقهم وهم أرهف إحساساً وأنبل مقصداً وأبين بياناَ!!
وأما الكتب التي تصدر في خلال الأسبوع أو قبله بكثير أو قليل فسننهج لها نهجاً مخالفاً لمنهج العرض الكامل أو النقد الشامل، فإن هذا أحق به باب (الكتب) و (النقد)، وإنما نعرض لها من حيث يتوجه لنا الرأي في غرض الكتاب الذي يرمي إليه، وأين يقع منه. ورب كلمة واحدة في صدر كتابٍ أو ذيله، لم يعرض لها الكاتب إلا شارداً أو كالشارد، ثم تكون هي ترج بمعانيها على الكتاب كله وعلى أغراضه أيضاً، فربما وقفنا عند هذه وقفة تجيش لها النفس من نواحيها، فنحتفل لها أشد احتفال وأعظمه لتكون كالعلم على المعاني النبيلة التي تضيع في خرائب الكتب
وبقيت كلمة. . .، فقد أحسن (الزيات) إذ تنبه إلى هذا الباب - الآن - من أبواب مجلته وقد أغفله كل هذه السنين. فإن الحرب والثورة وما في معناهما هي اضطراب عنيف يهز أعصاب الحياة ويقضقض أوصالها، فلا جرم إذن أن تدور الرؤوس وعقولها دورات كثيرة حول نفسها، فتختل الأوزان والمقاييس في كل شئ، وأن تبدأ الحياة بعد الحروب بدءاً جديداً؛ ويكون الناس إذ ذلك كالناشر من باطن الأرض وقد خرج من أكفانه ليرى ظاهرها كل شئ غريب وغير مفهوم، ومع ذلك فهو جديد لذيذ لا يمل وإن كان كله خطأ وفساداً