المضي في كتابة المقالات العلمية في المجلات الأسبوعية أو الشهرية يقربون فيها للقراء أقصى ما بلغه العلم وأعظم ما وصلت إليه المعرفة. ويحضرني في الذاكرة مقالات جان فابري القيمة التي نشرها في مجلة (العالمين) ومقالات غيره من العلماء المعروفين في مجلة (الشهر) تعتبر من أرقى وأشهر المجلات العالمية في الوقت الحاضر. بل لم يتردد آخرون في القيام بتأليف الكتب المبسطة كالتي نراها للعالم الكبير لويس دي بروي وشقيقه الدوق موريس دي بروي (وقد أخرجا في العام الماضي ثلاثة كتب من هذا النوع) وكالتي نطالعها للسير جين والعالم الفلكي أرثر أدنجتون، وهم من مشاهير الإنجليز وممن خطوا كتباً رائعة في باب تبسيط العلوم. وقد ظهر للأخير منهم هذا الشهر كتاب في فلسفة العلم الطبيعية لا زالت الحرب تمنع أن تصل إلينا نسخة منه، نستمتع بها فيما نستمتع به من كتبه العديدة التي هي من أبدع ما جاء بها الكتاب في عالم التأليف
ولقد أفسحت لنا الرسالة، وهي التي تسجل مظاهر التجديد في الآداب العربية، المجال للتأليف العلمي، وخصصت لذلك صحيفة معينة، وجعلت في برنامجها رصد ظواهر التطور في الحركة العلمية، وبدأنا استعراضنا في العام الماضي بمقدم استغرقت ثلاث مقالات ذكرنا فيها: لماذا نحاول تصوير الكون وفق الآراء الحديثة؟ وتناولنا بعد هذه المقدمة ثلاثة موضوعات رئيسية، استغرق كل واحد منها سلسلة من المقالات المتتابعة.
الموضوع الأول تكلمنا فيه عن الحياة وهل هي وليدة المصادفة وشرحنا فيه شيئاً عن علاقة ذلك بالنظام الشمسي للمادة. والموضوع الثاني تكلمنا فيه عن الكون، وبينا للقارئ كيف يكبر الكون في مجموعه، وكيف تبتعد جميع العوالم فيه بعضها عن بعض، وكيف استدل العلماء على ذلك من البحث التجريبي، وكيف أثبت البحث النظري صحة ما ذهبوا إليه. ولعل أظهر ما في هذا النوع من الأبحاث ما ذكرناه للقارئ من وجود علاقة بين الكون في مجموعه وبين أصغر ما فيه وهو الإلكترون. والموضوع الثالث عالجنا فيه الأشعة الكونية، وأردنا بذلك أن نطلع القارئ على أعجب ما نعرفه من الأشعة، وهي الأشعة الخارقة التي تستطيع أن تخترق ما سمكه عشرة أمتار من الرصاص بينما لا تخترق أشعة الشمس غلافاً رفيعاً من الورق، وشرحنا كيف يستدل العلماء على مرور جسيمات هذه الأشعة الخارقة بسماعها، ويحصلون على صور مسارات هذه الدقائق