للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويقطن أكثر هؤلاء الطلاب في الحي اللاتيني حيث يخلعون عليه طابعاً عالمياً فريداً في نوعه. والطالب الفرنسي يختلف عن أمثاله في سائر الأمم. فهو مكلف بأن يعتمد على نفسه في حياته الدراسية على الدوام، وقل أن تمد له الحكومة يد المساعدة في شأن من الشؤون، فعليه إذن أن يعول نفسه مما يدخره هو وما تمده به عائلته من حين إلى حين. والطالب الفرنسي ثالث ثلاثة قيل إنهم يستطيعون أن يعيشوا على الزهيد من العيش الذي يجئ في المرتبة بعد العدم أو اللاشيء وهم الفقير الهندي والعامل الصيني والطالب الفرنسي

فإذا ما دفع الطالب نفقات المدرسة، وثمن الكتب المطلوبة منه للدراسة لم يتبق معه لمطالب المعيشة إلا النذر القليل. فيلجأ - وكذلك الغالبية العظمى من رفقائه - إلى تأجير غرفة في الحي اللاتيني بمبلغ قد لا يتجاوز جنيهاً واحداً أو ثلاثين شلناً في الشهر. ويقوم بنفسه على تحضير وجبة الصباح وعمل القهوة الفرنسية المعتادة أو القهوة الممزوجة من اللبن

ويقضي الوقت من الساعة التاسعة والنصف إلى الساعة الثانية عشرة في سماع المحاضرات، وعليه أن يتناول غداءه بعد ذلك من نقوده الخاصة. وينفق الطالب في غدائه شلناً واحداً وثلاثة بنسات في المطاعم المتوسطة. ولكن قليلاً من الطلبة الذين يستطيعون أن ينفقوا هذا المبلغ، فيلجأ بعضهم إلى تناول بعض الخضراوات أو اللحم البقري في مطعم صغير بما لا يتجاوز ستة بنسات؛ ثم ينفق بنسين في الفاكهة ونصف بنس في قدح من القهوة بأحد مشارب الحي اللاتيني، وعلى ذلك فالطالب يستطيع أن يتناول غداءه ويصرف بعض الوقت في الراحة والتنزه بمبلغ لا يتجاوز ثمانية بنسات ونصف

ويعود الطلاب من الساعة الثانية إلى الساعة السادسة بعد الظهر إلى سماع المحاضرات، فإذا انتهت هذه الفترة وانتهى معها النهار جاء وقت العشاء. ويتولى بعض الطلاب طهي الطعام بأيديهم ويذهب بعضهم إلى تناول عشائهم في مطعم معتدل الأسعار. ثم يأتي وقت السهر لاستذكار الدروس، فإذا تجولت في شوارع الحي اللاتيني وأزقته الضيقة بعد منتصف الليل أبصرت الأضواء الشاحبة تنبعث من خلال النوافذ، وقد تظل كذلك إلى الثلث الأخير من الليل

وفي مساء السبت يجد الطالب وقتاً للتسلية والمرح، فيجتمع بإخوانه في بعض المقاهي والمطاعم - إذ لا توجد نواد رسمية للطالب الفرنسي - فيستطيع أن يتناول معهم كوباً من

<<  <  ج:
ص:  >  >>