مظاهر الانحطاط والانحلال في أوربا العصرية، وكذلك يذهب دعاة النازية هذا المذهب. فما كادت ألمانيا تنسحب من عصبة الأمم في عام ١٩٣٣ حتى قال هتلر، في أعقاب ذلك الانسحاب، لبعض صحبه:(لن تعود ألمانيا إلى عصبة الأمم الديمقراطية بحال. فقد دبت فيها عوامل الفساد، وقضت عليها الديمقراطية بالفناء والدمار)
وينادي زعماء النازي بأن ألمانيا تهيئ الجو لانقلاب جديد، وأن على العالم أن يمشي تحت رايتها. وكان المبشر بدين القوة، بعد أن ظن أنه حطم أصنام الأوهام الموروثة من دين وعلم وفلسفة وأخلاق وديمقراطية، ولأقام على أنقاضها القيم الأخلاقية الصحيحة، واكتشف الإنسان الأعلى، أنه قد مهد الطريق لظهور الإنسانية الجديدة البريئة من شوائب الضعف والانحلال المرتكزة على دعائم القوة والسلطان
وأسر الفوهرر إلى بعض رفاقه أنه على تمام الهبة لأن يضع توقيعه على اتفاق، ويضمن أية حدود، ويمضي ميثاق عدم اعتداء مع كائن من كان، على أن ينقض كل أولئك، في دم بارد وضمير جامد، إذا اقتضته قوة ألمانيا وعظمتها. وجاهر رسول القوة بأن الضعيف يبتغي السلام والوفاق والمساواة والحرية، لا يشرئب بآماله إلا إلى الاحتفاظ بذاته. ولكن القوي يؤثر أن يثير المشكلات وعظائم الأمور. الضعيف يضمر الكيد فحسب؛ فأما القوي فيهجم غير وان ولا متردد، فإن القوة التي تفيض بها جوانب نفسه تحفزه إلى التوثب والانقضاض
وأعمل نيتشه معاوله حتى ظن أنه نقيض القيم الأخلاقية من أساسها. فالشفقة لديه بغيضة لأنها من أخلاق العبيد، والقسوة في عرفه مرضية لأنها من أخلاق السادة. تلك شرعة الأقوياء. ولا يتحرج من أن يجهر بأن الشفقة هي فضيلة المومس، وينادي مع الشاعر الأساطير الشمالية القديمة:(إن فوتان (كبير الآلهة في تلك الأساطير) قد وضع في صدري قلباً قاسياً). ثم يهتف:(من الواجب عليك القسوة. فعن هذا الطريق وحده يسمو الإنسان إلى أعلى حيث يقابله البرق ويحطمه: فلترتفع إلى البرق ارتفاعاً كافياً). ذلك بأنه يرى القسوة أعظم شيء يفضي إلى تقوية الإنسان وترويضه على ملاقاة الأخطار، وشحذ همته للنهوض بجلال الأعمال، على حين لا شيء أخطر على المجتمع من الرحمة بالضعفاء والعاجزين، إذ تنهض عقبة في سبيل قانون الانتخاب الطبيعي وبقاء الأصلح. فنواميس