- عن التقاليد والأخلاق القومية إذا ما أنكر في بحثه بعض التقاليد أو بعض مبادئ هذه الأخلاق؛ وبعبارة أخرى إذا لم يسر وفق ما تتطلبه نظرتنا في مجتمعنا إلى الحياة؟
أغلب الظن أن هذا هو الذي يقع بالفعل. فالعالم جاهل لأنه (متفرنج) أي مقلد غير ما هو شعبي مألوف بيننا، وزنديق لأنه يرى (الاجتهاد) من ضروريات العصر، وهو غير مألوف أيضاً في أبحاثنا. والمفكر لا خلق له، أي ليست له قيمة بحسب نظرة المجتمع لأنه يميل إلى النقد وعدم الإذعان لكل ما هو مألوف في نقلنا الثقافي
وإذا تجاوزنا دائرة العلم والبحث إلى العلاقات الاجتماعية، وجدنا الصديق ينكر على صديقه بالأمس كل قيمة لأنه لم يف بوعد ربما ألجئ لأسباب خاصة إلى عدم الوفاء به. ووجدنا الزميل يأبى إلا تجريد زميله من كل اعتبار لأنه ينافسه في زمالته، وربما كان شريفاً في منافسته. ووجدنا الرئيس يفحص قيمة مرؤوسه لأنه أخذ - أي المرؤوس - عليه خطأ في تصرفه أو خالف المألوف من تملقه. . .
كذلك نجد بعض الأعمال مفضلاً على بعض، وبعض المهن يرفع حتى الذروة، والبعض الآخر يحط من شأنه حتى الحضيض. نجد عامة الشعب لا يُعتَرف بوجودها عملياً، بينما نجد خاصته تمثل دور حكام الإقطاعيات
فنواحي النشاط المختلفة في الحياة، وأنواع الثقافات المتعددة، لم تأخذ بعد في مجتمعنا قيمتها الذاتية. وتقديرها في الغالب مبني على التأثر بما يسود المجتمع من نظرة إلى الحياة ورأى بعينه فيها، مبني على التأثر بالعنصر الشخصي والرغبات والميول
ولهذا أظن أن مجتمعنا لم يزل دور الطفولة، لأنه لا يفصل في تقدير الأعمال وتقويم الإنتاج الفردي بين القيم الذاتية بعضها تجاه بعض، كما لا يفرق بينها وبين ذاته وشخصه.