للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذا كان إنتاجه في غير الناحية التي ينظر إليها المجتمع ويطلبها لعوامل خاصة. فالعالم صاحب القيمة العلمية أو الفنية كثيراً ما اضطهد، ولم يهمل وجوده فحسب، لأن سلوكه في بحثه كان على أساس النقد وعدم التسليم مبدئياً بما فرضه عليه وقته من عقيدة وقد كانت الناحية التي تقوم في ذلك الوقت، وبجانبها تهمل كل ناحية أخرى في التقويم، هي الناحية الدينية أي السلوك طبقاً لأوامر رجال الدين. وبعض الطبقات كان يستعبد ويباع ويشرى، وهي طبقة الرقيق، لان الناحية التي كانت تقدر حينئذ ناحية الشرف والجاه، وليس لهذه الفئة من جاه من ثروتها أو ثقافتها

وهذه الظاهرة، وهي ظاهرة الخلط وإهدار القيم الأخرى ما عدا قيمة الناحية المطلوبة، تشبه في تطور الأمم ظاهرة الطفولة في أدوار نمو الإنسان. فالطفل لا يميز ذاته عما في بيئته؛ وبعبارة أخرى لا يعرف قيما للأشياء إلا بقدر ما تشبع بعض رغباته أو تلبي بعض ميوله. فالحسن عنده ما انتفع به، والقبيح هو ما لم يستطيع السيطرة عليه؛ فأمه (حُوَّة) إذا لبت رغبة له، و (كُخَّة) إذا منعت عنه بعض ما يطلب

وبالتالي ظاهرة الفصل بين القيم والاعتراف باستقلالها عند أمة من الأمم تحاكي دور النضوج وبلوغ الرشد العقلي لدى الإنسان. فقدرة تصرف الرشيد معناها التمييز بين النافع في ذاته والضار في ذاته. معناها الاعتراف بالقيم الذاتية واستقلالها

لنا الآن أن نسأل أنفسنا: في أي طور من أطوار النمو تعيش الأمة المصرية؟ هل بلغت طور الرشيد أم تجاوز بعد دور الطفولة؟

لنرجع إلى وصف ما يسود فيها من طاهرة تتعلق بإصدار الأحكام التقديرية، وعلى أساس هذا الوصف المميز يمكن أن نعرف في أي طور تعيش

طبيعي أنه يسود مجتمعنا ككل مجتمع إنساني نظرة معينة في الحياة. والنظرة الغالبة في مجتمعنا النظرة الدينية أو نظرة التقاليد. وسواء أكانت سيطرة هذه النظرة على مجتمعنا الآن دليلاً على تغلب الناحية (اللاشعورية) وهي ناحية النزعات، أم دليلاً على (إدراكه) لأهمية الدين في تكوين المجتمع فإن ذلك لا يعنينا فيما نحن بصدده.

هل مجتمعنا يعترف بقيمة الفرد العلمية أو الفنية، السياسية أو الإصلاحية أو الاقتصادية إن خرج في سلوكه الفردي عما رسمته التقاليد؟ ألا يحكم عليه بالفسوق والمروق - على الأقل

<<  <  ج:
ص:  >  >>