سياسة الجمهور. وإنما تساس الجماهير في ظل الديمقراطية أحسن سياسة وأجداها حين تلبس لها ثوب الجد وأنت تهزل، وترتدي لها رداء الهزل وأنت تجد، وتظهر لها على كل حال من نفسك ما تريد أن تظهر لا ما ينبغي أن تظهر. هذا الكاتب الفرنسي اللبق الذي فتح للإنسانية باب الجمال على مصراعيه وأثار في رءوسهاالفارغة فكرة المسابقة إلى سلطان الحسن هو (موريس دواليف). خطرت له هذه الخاطرة ذات يوم وهو يمزح، أو ذات ليل وهو يلهو، فتحدث فيها إلى صديق أو صديقين ثم إلى زميل أو زميلين ثم إلى إدارة الجرنال. وما أصبح الصباح حتى ملأت الفكرة باريس. وما أمس المساء حتى ملأت الفكرة فرنسا. وما كان الغد حتى ملأت الفكرة أوربا، وما مضت أيام حتى ملأت الفكرة الأرض كلها ولعبت برؤوس الناس جميعا. وهذا مصدر آخر من المصادر المادية لسلطان صاحبة الجلالة الصحافة هو أنها ترى الرأي فإذا هو أمام الناس جميعا أو أمام جماعات ضخمة منهم في وقت واحد أو في أوقات متقاربة. ومن حوله المغريات والمرغبات والمثيرات للميل. فيلقى الناس بعضهم بعضا وقد قرءوا الصحيفة وإذا هم يتساءلون: وما رأيك في هذه الفكرة الطريفة الظريفة معا فكرة موريس دواليف في هذه المسابقة التي ستدعى إليها الفتيات لإظهار ما لهن من جمال بارع وحسن فتان. ثم تعود أصداء الدعوة من باريس وفرنسا وأوربا وأطراف الأرض إلى الجورنال، وإذا الفكرة قيمة، وإذا التجربة الأولى تهيأ ثم تتم، وإذا للجمال ملكة في فرنسا، وإذا البلاد الأخرى تسير مسيرة فرنسا، وإذا لكل بلد ملكة للجمال، وإذا المسابقة أوربية بين صاحبات الجلالة القومية. وإذا لأوربا ملكة، ثم للعالم كله ملكة، وإذا نظام جديد قد أقيم، وإذا الديمقراطية المتطرفة والاشتراكية الغالية والأرستقراطية المعتدلة والأوتقراطية المسرفة. كل هذه النظم المختلفة المتباعدة قد اتفقت على الإذعان لسلطان الجمال.
ولكن سلطان الجمال وان استعار ألقاب الملكية، أحاط نفسه بألوان القوة وضروب الأبهة، ضعيف نحيف، فاتر قصير المدى كالجمال نفسه، فهو ملك، ولكنه أشبه بالجمهورية، وأي جمهورية؟ أشبه بالجمهورية القديمة؛ جمهورية اليونان والرومان لا يدوم السلطان فيه لصاحبته أكثر من سنة، وهو ملك، ولكنه لا يورث، وإنما يكسب بالانتخاب، وأي انتخاب!! انتخاب ضيق محدود متأثر بالأغراض والأعراض السياسية في كثير من الأحيان، فيجب