أن يكون ملك الجمال قسمة بين الشعوب تتبادل سلطانه فيما بينها، تظفر به فرنسا ثم تمره إلى بلجيكا، وهذه تمره إلى هولندا، وعلى هذا النحو حتى يكون لكل شعب حظه من هذه السيادة العالمية البريئة. البريئة؟ مسألة فيها نظر! فهي سيادة بريئة بالقياس إلى الشعوب والأقاليم والمدن والقرى، ولكن براءتها تتعرض للشك والخطر في كثير من الأحيان، ذلك أن هذا الملك الطارئ السريع الزوال يعبث برؤس الملكات وأسرهن، ومن طبيعة الملك أن يعبث برؤس الا إذا اعتمد على دستور صحيح متين، وليس لملك الجمال دستور، وملك الجمال لا يعبث برؤس الملكات وحدهن، وإنما يعبث برؤس كثير من الرعية أيضا، من الشبان والشيوخ وأصحاب الملاعب والمراقص والسينما، ثم ملك الجمال فصيح على هذا العبث، فهو يجري أقلام الكتاب في الصحف، ويطلق ألسنة السيدات في الصالونات، ويزيد هذا كله في الدوار واضطراب العقول. لذلك لا تكاد ملكة ترقى إلى عرش الجمال حتى يصبح مصيرها بعد الخلع - أستغفر الله - بعد الاعتزال مشكوكا فيه. وأكبر الظن أنها صائرة إلى ملعب من ملاعب اللهو، أو ناد من أندية الرقص، أو دار من دور السينما، أو إلى هذه جميعا.
فملك الجمال في حاجة إلى دستور يضمن الملكة الا يكون ارتقاؤها إلى العرش وسيلة إلى ابتذالها.
على أن ناحية أخرى من نواحي هذا العبث الذي يعبثه ملك الجمال بالعقول خليقة بالملاحظة، فملكات الجمال يؤمن بملكهن عادة، ويصدقن أنهن ملكات حقا، وكثيرا ما تؤمن لهن الجماعات بهذا الملك، فيصبح المزاح جداً واللعب حقا لا شك فيه، وينشأ عن هذا الجد الطارئ وعن هذه الحقيقة الإضافية الموقوتة التي لم يفكر فيها اينيشتين بعد، لون من الحياة الذي يبعث هذه الابتسامات المترددة التي تحدثت عنها أول هذا الفصل.
أنظر إلى ملكة الجمال التي شرفت مصر بزيارتها هذه الأيام لم تكد تهم بهذه الزيارة حتى سبقتها الأنباء فطربنا واستشعرنا شيئا من الغبطة لا حد له وتفضلت صاحبة الجلالة الصحافة فقامت لزميلتها في الملك بما يجب من الإعلان ونشر الدعوة. ثم وصلت ملكة الجمال فلم يكن بد لصاحبة الجلالة الجميلة من أن تتناول الشاي عند صاحبة الجلالة الفصيحة البليغة. وكانت دار الجهاد ملتقى الملكتين على مائدة صديقي توفيق دياب،