مريضة ومتعبة كانت أولا بوقتي هذا، ولم يكن يليق أن أتركها وألهو ولكن. . . أرجو أن لا تسيء بي الظن
ولم يكن لديه لهذا الخلط الذي لم يفهمه سوى أن مال عليها فقبلها قبلة أخطأت خدها وأصابت أذنها. فنفرت منه كظبي مذعور وتغاضبت عليه. ولم تطل. . . بل أقبلت عليه تذكره بوعده لتمهد أن يعودا - كما كانا - مرحين لاعبين
وكان الهواء قد رق وصفا. وسرا عطريّ الروحة والغدوة يحمل في طوايا هبته شذاً قوياً يدير الرأس حين يدور فيها عندما بدت لهما من بعد حديقة لفاء يحبو تحتها ماء النهر، وتذِّهب ذراها أشعة الشمس الغاربة، كانت تبدو من بعد كسرادق مظلم أو ككهف عظيم. ولما قارباها أخذت هي تحدق فيها بعين بارقة مفتوحة، وقالت في صوت خافت كأنه يأتي من أعماق أعماقها
- ما أجملها. . . ما أجملها!
ولما اقتحماها وسارا فيها بلغا فيها خباء بين دوحتين فارعتين لا تبلغه العين، ولا يبلغه الضوء، إلا قطعاً نثاراً كنقوش الثوب، وملأت رأسيهما فيه ريح عطرة مثيرة قوية! فجلسا حالمين تائهين. . . ثم تقاربا في بطئ وسكون، ثم تضاما، ثم عصفت بهما نار الرغبة فلم تملك إلا أن تحسس فمه بشفتيها. فجعل يعتصرهما بجنون، ويضمها إلى صدره بشوق وقوة وعنف، وقد غابا ونسيا نفسيهما. . .!
ولما أفاقت لم تكن تريد أن تصدق. . . ثم أخذت تصيح وتصرخ. . . ثم هدأت لتبكي. . . ثم لما فرغت لم ترد أن تسمع لكلماته وهو يفرغها في أذنيها ليخفف عنها ما بها من جزع وأسى، بل جعلت تهتف في صوت خافت ضعيف:
- رب ماذا فعلت. . . ماذا فعلت!
وساوره الخوف والفزع مما رأى من حمرة خديها وعمق عينيها وجعل يرتعد وهو يرجوها أن تبقى ليتفاهما، وليدبرا الأمر على قانون الواقع ولكنها تركته دون كلمة أو وداع. . .
ولما لقيها في اليوم التالي ألفاها ساهمة شاحبة ظاهرة الأسى، كأنها خالصة من أعقاب مرض طويل أضناها وذوب قواها. قالت له حين تصابحا في همس: