والآن ها هو ذا قد شاط بينها فما عاد قلباً، ولكن مضغة لا تتحرك.
ولطالما سهرتُ أُناجيك - وأنتِ في منأى عني - والآن هدّني الإعياء؛ فذريني أقذف بأعبائي جانباً، لأتوسّد ذراعي على الحصا، في ظلال شجرة وارفة، إلى جانب غدير، تسكرني نسمات الربيع الهينة، فتستمتع نفسي بحنان الطبيعة وهدوء الكرى
ولطالما أوحى أليّ شيطاني أنك أنت فوق البشرية، أنك بسمة الخالق على الأرض الحزينة، فماذا. . . ماذا رأيتُ الآن؟
ولطالما استلهمتُ منك جمال الفن، ورسمتك بريشة الخيال في أضعاف قلبي، ثم لمستكِ، فماذا. . . ماذا وجدتُ؟
أفحقاً أنكِ أنتِ مادة الشاعر حين يتغنى بكلمات تتدفق النشوة واللذة من خلالها؟
أفحقاً أنكِ أنت ريشة المصور التي تعبث بالألوان فإذا هي حياة؟
أفحقاً أنكِ أنتِ لحن الموسيقى السماوي حين يُداعب أوتار قيثارة فتتحدث عن خلجات القلوب؟
أفحقاً أنكِ أنتِ لمعة الحياة إن شمل الكون ظلام الموت؟
كلا. . . كلا! إنه هو خيال الرجل يُضفيه عليك - حيناً بعد حين - فيبعث فيك الكبرياء البغيضة، ويسمو بك إلى آفاقه هو، في حين أنك أنتِ. . .
كان هذا خيالي حين استهوتني شياطينك فتمنيتُ. . . ولما خبرتك فزعتُ عنك، لا أطمع في حديث، ولا أرنو إلى لقيا
ليت هذا الرجل يعلم. . . ليته يعلم أنك قد مرنتِ على الختل والخداع، ودَرِبتِ على الشغب والمكيدة، وأحببتِ نفسك فشغلتك فألهتك عن أن تكوني امرأة لرجل، ونزت بك نزوات الكبرياء فذهبتِ تفزعين من أنوثتك الوضيعة. . . ذهبت تفزعين منها لتكوني بدعاً في الرجال!
إنني أفرق من جمالك وقبحك، وأفزع من ابتساماتك وعبراتك، وأخاف رضاك وسُخطك، وأجزع من عطفك ومقتك، وارهب صحبتك وفراقك. . . فماذا. . . ماذا بقى فيك أطمئن إليه؟
هذه الدار الهادئة قد ملئت بك ضجة تحطم فيّ خواطري الجميلة