ترسم الأقدار فيها رجالها وتختارهم للقيام بأعظم الأحداث وجلائل الأمور
أجل أيها السادة، كان احتراف عبد الرحمن رشدي التمثيل في ذلك العهد حَدَثاً من الأحداث الاجتماعية في مصر
ولماذا. . .؟
كان المسرح المصري يرقى الدرج الأول من مرحلة جديدة. كان يحاول متطوحاً فيها أن يستخلص لذاتيته طابعاً جدياً يمت إلى الفن الخالص من حيث فن التمثيل وإخراج الرواية، بعد أن مهد له (سلامة حجازي) و (عزيز عيد) سبيل ذلك بقدر ما وسعه علمهما وسمح به زمانهما. وكان العاملون في المسرح رجالاً ونساء، أخلاطاً سقيمة ممن خفت حمولتهم في التعليم والتهذيب والتثقيف، ولا أقول من حسن الاستعداد وخصب الموهبة. وكانت كثرتهم الغالبة، ما عدا النذر اليسير الذي لا يؤبه له، ممن تقطعت بهم أسباب العيش عن طريق احتراف المهن المألوفة. وكان الجمهور من أجل ذلك يرمق المسرح المصري والمشتغلين فيه بعين ملؤها الازدراء والحذر، إذ يرى فيهم قطيعاً من شذاذ المجتمع، ونفايات الأوساط، وقناصي الكسب السهل عن طريق حلق الشارب، وتخطيط الوجه، ورفع الصوت بالصياح والضجيج
في ذلك العهد جاء الأستاذ جورج أبيض من أوربا، وشاءت إرادة سيد البلاد إذ ذاك أن يكون للأستاذ أبيض يد في ترقية المسرح، فكان أن ألف فرقته العربية الأولى من أقرب ما بين تلك العناصر التي أجملت وصفها إلى شخصية الممثل الحق علماً وأدباً
وهنا جرت الأعجوبة إذ تقدم إلى الصف (عبد الرحمن رشدي) محطماً العرف الاجتماعي السائد، في الأسرة وفي الحرفة التي ينتمي إليهما، مضحياً بمركزه الاجتماعي وبكرامة الرجل الكامل. أقول هذا أيها السادة وأكرر وأؤكده لأنه كان يوجد من الممثلين قبيل ذلك العهد من يحترف كي الطرابيش وبيع الأشربة والمثلجات بالنهار ليحترف التمثيل بعد ذلك في الليل
ولا لوم ولا تثريب على فن التمثيل في ذلك، فقد أتى التمثيل مصر دخيلاً، وفرض نفسه على المجتمع المصري الذاهل كلون جديد من ألوان التسلية. والجديد الوافد من الحرف لا يلقي صدراً رحباً في أول الأمر إلا ممن يعيشون على هامش بيئاتهم الاجتماعية ولا يعمل